فرد آخر حينئذ سوى العمل بمقتضى الأصل فإن الكلام في العمل بخبر الواحد من حيث هو لا إذا كان معارضا لظاهر الآية أو الاجماع أو غيرهما والتخيير بين العمل بالأصل والعمل بخبر الواحد لا معنى له لأنه إما أن يعتبر مفهوم الأصل في مقابل مفهوم خبر الواحد كليين فيقال ان المكلف مختار بين أن يعمل على مقتضى الأصل بأن يقول لا حكم في المسألة بالخصوص من الشارع لان الأصل عدم الحكم الشرعي وبين ان يعمل على مقتضى خبر الواحد بأن يقول ورد في المسألة حكم من الشارع فيرجع هذا إلى التخيير بين الاذعان بثبوت الحكم وعدم ثبوته ولكن يستحب الاذعان بثبوت الحكم وإما أن يعتبر الأصل الخاص في مقابل الخبر الخاص (مثل ان يقول الأصل براءة الذمة عن مقتضي الوجوب الذي هو مدلول هذا الخبر الخاص) مثلا فيقال لان المكلف مخير بين أن يعلم ذمته بريئة عن هذا التكليف وبين أن يعلم ذمته مشغولة بمقتضى مدلول الخبر وعلى أي الفرضين لا يصح جواز اعتقاد الوجوب الذي هو مدلول الخبر وما يتوهم أن هذا من باب التخيير في الرجوع إلى المجتهدين المخالفين في الرأي أو إلى الخبرين المتعارضين المتساويين من جهة الترجيح فهو باطل لان التخيير في هاتين الصورتين إنما هو في حال الاضطرار وإرشاد بطريقة العمل في صورة جهالة الحكم وعدم وجود ما يفيد القطع بالحكم ولا ريب أنه لا يعلم في هاتين الصورتين كون خصوص أحد الحكمين من الشارع بل يحتمل أن يكون كل منهما حقا ولكن لما لم يتعين ولا سبيل إلى العمل فرخص لنا الشارع حينئذ إلى الاخذ بأيهما شئنا من باب التسليم وأما فيما نحن فيه فليس كذلك إذ هو إنشاء الحكم الأولى حين حضور الشارع والأصل الثابت بالعقل ولا شرع متيقن الثبوت من الشرع جزما وليس من باب الاحكام الاضطرارية في حال عدم التمكن فالتخيير فيما نحن فيه من باب التخيير بين خصال الكفارة المصرح به في الكتاب والسنة لا من باب التخيير الذي دلنا عليه الالجاء والاضطرار حين جهالة الحكم وهذا التخيير قد يتصور بين جواز العمل بالأصل وجواز العمل بخبر الواحد وقد يتصور بين الأصل وخبر الواحد والأول إنما هو من باب المسائل الأصولية المبحوث عنها والذي يمكن ان يستدل عليه برجحان الحذر المستفاد من الآية على ما بني عليه المأول إنما هو من باب المسائل الفقهية المستنبطة من آحاد أخبار الآحاد وحمله على الاستحباب إنما يصح إذا قطع النظر عن دلالتها على الوجوب مثلا يعني إذا عارض خبر الواحد للأصل فيجوز العمل بكل منهما لكن يستحب اختيار العمل بخبر الواحد فهو في معنى التخيير في المطلوب بخبر الواحد بين الاتيان به وعدمه وهو صريح في نفي الوجوب ولا يجامع مع إتيانه على سبيل الوجوب كما توهمه فهذا إخراج للخبر عن المدلول الحقيقي وأما التخيير بين الاعتقاد بجواز العمل بالأصل وبين الاعتقاد بجواز العمل بخبر الواحد عند عدم دليل آخر رافع للأصل الذي هو من المسائل
(٤٣٦)