نصفها عائد إلى الجارية بكمالها قطعا وان المراد إلا نصف كلها فيكون المراد من الجارية كلها لا نصفها وذلك لان المراد بالجارية مع انضمام الاستثناء إليه وهو القرينة نصفها لا المراد بالجارية وحدها وبعد ملاحظة الانضمام فلا يبقى استثناء أخر ليلزم المحذور وأما ارجاع الضمير إلى كل الجارية فجوابه أن الاخراج إذا كان من ظاهر المراد لا نفس الامر على ما حققناه فالضمير أيضا يعود إلى ظاهر المراد من اللفظ على سبيل الاستخدام ويظهر مما ذكر الجواب عن سائر الايرادات التي لم نذكرها أيضا ثم أن هذا القول الذي أبطلناه كما ترى مخصوص في كتبهم بالاستثناء أو المخصص المتصل وزاد بعضهم تجويز هذا القول في المخصص المنفصل أيضا وقال أنه لا يمتنع أن يراد بلفظ العام الاستغراق ويسند الحكم إلى بعضه بمعونة الخارج من سمع أو عقل ودعوى قبحه دون التجوز باللفظ عن معنى لا يعلم إلا بعد الاطلاع على سمع أو عقل خارج تحكم فإن الكلام إنما هو في تصرف المتكلم في أنه هل تصرف في معنى اللفظ وأحال العلم به إلى الخارج أو تصرف في الحكم وأحال الامر إليه ولزوم الاغراء بالجهل مشترك وأقول مضافا إلى ما مر من بطلان هذا القول في المخصص المتصل المستلزم لبطلان ذلك بطريق أولى أن من مفاسد هذا القول لزوم اللغو في إرادة الحكيم فإن إرادة الاستغراق من اللفظ حينئذ لا فائدة فيه بل هو غلط فإنا قد بينا لك في المقدمة الأولى أن الغرض من وضع الألفاظ هو تركيب معانيها وتفهيم التراكيب والأحكام المتعلقة بمفاهيم تلك الألفاظ فإذا لم يرد في الكلام إسناد إلى نفس مفهوم العام ولا إسناده إلى شئ سواء كان إسنادا تاما أو ناقصا فما الفائدة في إرادتها فإن قلت ذكر العام وإرادة مفهومه أولا لأجل إحضاره في ذهن السامع ثم إسناد الحكم إلى بعضه وإخراج بعض آخر منه قلت إنما يتم هذا لو جعل العام في الكلام موضوعا لان يحمل عليه هذان الحكمان مثل أن يقال كل إنسان إما كاتب أو غير كاتب وأين هذا ما نحن فيه وليس معنى قولنا أكرم العلماء إلا زيدا ان العلماء يجب إخراج زيد من جملتهم وإكرام الباقي فإنه لا خلاف في صحته وكونه حقيقة حينئذ ودعوى كون معنى هذا التركيب هو ما ذكرنا يحتاج إلى الاثبات والذي هو محط نظر أرباب البلاغة في أداء المعاني وإيهاماتهم إنما هو بعد تصحيح اللفظ بل جعله فصيحا أيضا نعم ملاحظة اعتباراتهم في البلاغة يتم فيما اخترناه كما أشرنا من جعل الاسناد أولا متوجها إلى العام ثم نصب القرينة على خلافه للنكتة التي ذكرنا وغيرها وحاصل الكلام وفذلكة المرام أن علينا متابعة وضع الواضع أو رخصة في نوع المجاز والذي نفهمه من اللفظ كون لفظ العام موردا للاسناد ومقتضاه كون مفهومه موردا للاسناد وليس في الكلام إسناد آخر يتعلق بالباقي فلابد من التصرف في لفظ
(٢٥٤)