عشرة إلا تسعة فضلا عن قوله الا تسعة ونصفا وثلثا ومما يؤيد ما ذكرناه أن المستثنى في معرض النسيان غالبا لقلته وأن الغالب الوقوع في الاستثناء البدائي كما هو الغالب في ألسنة العوام هو إخراج القليل وليس ذلك إلا لمطابقته لأصل وضع الاستثناء وحينئذ فقد ظهر لك بحمد الله تعالى أن التحقيق هو ما حققناه سابقا من لزوم بقاء جمع قريب من المدلول وغفلة الأكثرين إنما حصل من جهة الأمثلة المذكورة وقد عرفت أن مجرد الاستعمال لا يدل على الحقيقة كما هو محط نظر الأصولي والحاصل أنه لم يثبت كون الاستثناء حقيقة في غير إخراج الأقل ولم يثبت جواز التجوز في المستثنى منه في غير استعماله في الأكثر كما بيناه آنفا فلا بأس علينا أن نجيب من الأمثلة المذكورة التي استدل بها الأكثرون ونقول يمكن دفع الأول بمنع الدلالة من جهة أن ظاهر العام قابل لأصناف كثيرة فإخراج صنف منه يكون أفراده أكثر من سائر الأصناف لا يستلزم كون نفس الأصناف الباقية أقل والمقصود هنا إخراج الصنف يعني أفراد صنف خاص من حيث أنها افراد ذلك الصنف الخاص فظاهر الآية استثناء صنف من الأصناف لا افراد من جميع الافراد وأكثرية الصنف لا تستلزم أكثرية الافراد وبالجملة إذا لوحظ الصنف الواحد بالنسبة إلى العام القابل للأصناف فهو أقل من الباقي وإن فرض كونه بالنسبة إلى الافراد أكثر من الباقي وذلك يختلف باختلاف الاعتبارات والحيثيات فيه ان عموم الجمع افرادي لا إضافي والذي يؤيد ما ذكرنا أن المقصد الأصلي لله تعالى لما كان هو الهداية والرشاد فجعل الغاوين مخرجا (حصلا)؟ لما ليس موافقا للغرض الأصلي كالقليل الذي لا يعتنى به وفي إبليس (لعنه الله)؟ بالعكس بل ذلك المعنى إنما يلاحظ بالنسبة إلى قابلية العام لا فعلية تحقق الأصناف فيه (ففي كل واحد)؟ من الآيتين استثناء الأقل من الأكثر ويوضح ما بينا أن لو فرض أنك (أضفت)؟ جماعة من العلماء والشعراء والظرفاء وكان عدد كل واحد من العلماء والشعراء ثلاثة وعدد الظرفاء مأة فإذا قيل جاء الأضياف إلا الظرفاء فيمكن تصحيحه بما ذكرنا لان الباقي حينئذ أكثر وأما لو قيل جاء الأضياف إلا زيدا وعمرا وبكرا وخالدا إلى آخر المأة من الظرفاء لعد قبيحا ودفع الثاني بأن اتفاقهم على إلزام الواحد لا يدل على اتفاقهم على صحة الاستثناء أو كونه حقيقة فإن فتوى الأكثرين لعله مبني على تجويزهم ذلك وبناء الباقين على أن الاقرار عبارة عما يفهم منه اشتغال الذمة بعنوان النصوصية ولو كان بلفظ غلط أو لفظ مجازي ولما كان الأصل براءة الذمة حتى يحصل اليقين بالاشتغال فمع قابلية اللفظ للدلالة على المراد وانفهام المعنى عنه بمعونة المقام أو بسبب التشبيه بالاستثناء مع قرينة واضحة لا يحكم باشتغال الذمة بالعشرة لكون
(٢٥٨)