فلا يضر الاستعمال في غيره ومن ذلك يظهر الجواب عما استدل بعضهم بقوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ فإن استثناء منقطع والمراد إخبار عن حال المؤمن أنه لا يفعل ذلك إلا خطأ أو المراد الرخصة فيما حصل له الظن بالجواز كما إذا حسبه المؤمن صيدا وقتله أو حربيا بسبب اختلاطه معهم ولا ينحصر الخطاء فيما لو لم يكن فيه قصد حتى لا يصح الاستثناء من عدم الرخصة الثالثة اختلفوا في تقرير الدلالة في الاستثناء من جهة كونه تناقضا بحسب الظاهر فقيل أن المراد بالعشرة مثلا في قولنا له علي عشرة إلا ثلاثة هو معناه الحقيقي ثم اخرج الثلاثة بحرف الاستثناء ثم أسند الحكم إلى الباقي أعني السبعة فليس في الكلام إلا إسناد واحد فلا تناقض اختاره العلامة رحمه الله وأكثر المتأخرين والأكثرون ومنهم السكاكي في المفتاح على أن المراد بالعشرة هو السبعة وحرف الاستثناء قرينة المجاز والقاضي أبو بكر على أن مجموع عشرة إلا ثلاثة اسم لسبعة كلفظ سبعة وأوسط الأقوال أوسطها لبطلان القولين الآخرين ولا رابع أما بطلان الأول فلانه يستلزم أن لا يكون الاستثناء من النفي إثباتا كما هو مذهب الحنفية وهو خلاف التحقيق كما مر فيلزم حينئذ أن لا يثبت في ذمة من قال ليس له علي شئ إلا خمسة شئ لان الخمسة مخرجة عن شئ قبل إسناد النفي إلى شئ فهي في حكم المسكوت عنه بل يلزم أن لا يكون الاستثناء من الاثبات أيضا نفيا وأيضا فلو أشير إلى عشرة مجتمعة شخصية وقيل خذ هذه العشرة إلا ثلاثة منه فلا يتصور هناك إخراج إلا من الحكم فإن المفروض أنه لا يخرج أشخاص الثلاثة من جملة العشرة بل المراد إخراجها عنها بحسب الحكم فلا بد من القول بإخراجها عن الحكم المتعلق بالمجموع والمفروض أنه لا حكم إلا الاسناد الموجود في الكلام فإن قلت هذا كر على ما فررت منه من لزوم التناقض وكيف المناص عن ذلك على ما اخترت قلت وإني لأظنك غافلا عن حقيقة التخصيص ملتبسا عليك أمره بالبداء فإنك إن أردت من الاخراج في قولهم الاستثناء هو إخراج ما لولاه لدخل هو الاخراج الحقيقي عن الحكم الصادر عن المتكلم بعنوان الجزم فهو لا يتحقق إلا في صورة البداء والاستدراك كما لو سهى المتكلم وغفل عن حال المخرج ثم تذكره بعد إيقاع الحكم على المخرج منه أو جهل بكونه داخلا وحكم بالمجموع ثم علم فاخرج وأنت خبير بأن أمثال ذلك لا يتصور في كلمات الله تعالى وأمنائه عليهم السلام في الأحكام الشرعية والتخصيص المذكور في ألسنة الأصوليين والفقهاء ليس ذلك جزما فإن قلت فعلى هذا فيكون الهيئة الاستثنائية استعارة تمثيلية في التخصيص المصطلح فيكون مجازا وهو بعيد قلت كون معنى الاستثناء ذلك لا يوجب التجوز في الهيئة الاستثنائية كما لا يخفى وإن أردت من الاخراج أعم من الاخراج الواقعي
(٢٥٢)