المناهي التنزيهية راجعة إلى شئ خارج من العبادة بخلاف التحريمية بحكم الاستقراء فالنهي عن الصلاة في الحمام إنما هو عن التعرض للرشاش وفي معاطن الإبل عن إنفار البعير وفي البطايح عن تعرض السيل ونحو ذلك فلم يجتمع الكراهة والوجوب وفيه أولا منع هذا الاستقراء وحجيته وثانيا أن معنى كراهة تعرض الرشاش أن الكون في معرض الرشاش مكروه وهذا الكون هو بعينه الكون الحاصل في الصلاة فلا مناص عن اجتماع الكونين في كون واحد وإن قلت أن مطلق الكون في معرض الرشاش لا كراهة فيه إنما المكروه هو التعرض له حال الصلاة قلت أن المعنى حينئذ أن الصلاة في الحمام منهي عنها لكونها معرض الرشاش فالنهي أيضا تعلق بالصلاة وعاد المحذور وإن قلت أن مطلق التعرض للرشاش مكروه و النهي عن الصلاة في الحمام لأنه من مقدماته وعلله فيعود المحذور أيضا وثالثا أن الفرق بين قولنا لا تصل في الحمام ولا تصل في الدار المغصوبة تحكم بحت قلنا ان نقول أن حرمة الصلاة في الدار المغصوبة إنما هو لأجل التعرض للغصب وهو خارج عن حقيقة الصلاة واتحاد كون الغصب مع كون الصلاة ليس بأوضح من اتحاد كون التعرض للرشاش مع كون الصلاة ورابعا أن هذا لا يتم في كثير من الحمامات وفي كثير من الأوقات وتخصيص ما دل على كراهة الصلاة بما لو كان في معرض الرشاش والحكم بعدم الكراهة في غيرها أيضا في غاية البعد وكون العلة والنكتة هو ذلك في أصل الحكم كرفع أرياح الإباط في غسل الجمعة لا يستلزم كون الكراهة دائما لذلك كما نشاهد في غسل الجمعة هذا كله فيما ورد من (الشارع)؟
النهي عنه وأما في مثل الصلاة في مواضع التهمة مما يكون من جزئيات عنوان هذا القانون فلا يجري فيه هذا الكلام فلا بد للخصم أن يقول ببطلانها جزما ولم يعهد ذلك منه ولا مناص له عن ذلك بوجه فهذا أيضا يدل على بطلان مذهبه الثاني أن المراد بالكراهة هو كونه أقل ثوابا يعني أن الصلاة في الحمام مثلا أقل ثوابا منها في غيره ومرادهم أن لمطلق الصلاة مع قطع النظر من الخصوصيات ثوابا وقد يزيد عن ذلك من جهة بعض الخصوصيات كالصلاة في المسجد وقد ينقص كالصلاة في الحمام وقد يبقى بحاله كالصلاة في البيت فلا يرد ما يقال أنه يلزم من ذلك كون جل العبادات مكروهة لكون بعضها دون بعض في الثواب فيلزم كراهة الصلاة في مسجد الكوفة مثلا لأنها أقل ثوابا منها في المسجد الحرام وحاصل هذا الجواب أن مراد الشارع من النهي أن ترك هذه الصلاة واختيار ما هو أرجح منها أحسن فاترك الصلاة في الحمام واختر الصلاة في المسجد أو البيت وأنت خبير بأن ذلك أيضا مما لا يسمن و لا يغني فإن الترك المطلوب المتعلق بهذا الشخص من الصلاة من جهة هذا النهي لا يجتمع مع الفعل المطلوب من جهة مطلق الامر بالصلاة مع أنك اعترفت بأن الخصوصية أوجبت نقصا لهذا الفرد