وفي العرف أن يصرح بالنهي عنها، وأنها لا تفسد (1) بالمخالفة، من دون حصول تناف بين الكلامين. وذلك دليل على عدم اللزوم بين.
حجة القائلين بالدلالة مطلقا بحسب الشرع لا اللغة: أن علماء الأمصار (2) في جميع الأعصار، لم يزالوا يستدلون على الفساد بالنهي في أبوابه، كالأنكحة والبيوع وغيرها. وأيضا لو لم يفسد، لزم من نفيه حكمة يدل عليها النهي، ومن ثبوته حكمة تدل عليها الصحة (3). واللازم باطل، لان الحكمتين، إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا، وكان الفعل وعدمه متساويين، فيمتنع النهي عنه، لخلوه عن الحكمة. وإن كانت حكمة النهي مرجوحة فهو أولى بالامتناع، لأنه مفوت للزائد من مصلحة الصحة، وهو مصلحة خالصة، إذ لا معارض لها من جانب الفساد، كما هو المفروض. وإن كانت راجحة فالصحة ممتنعة، لخلوها عن المصلحة، بل لفوات قدر الرجحان من مصلحة النهي، وهو مصلحة خالصة لا يعارضها شئ من مصلحة الصحة.
وأما انتفاء الدلالة لغة، فلان فساد الشئ عبارة عن سلب أحكامه.
وليس - في لفظ " النهي " ما يدل عليه لغة قطعا.
والجواب عن الأول: أنه لا حجة في قول العلماء بمجرده، ما لم يبلغ حد الاجماع. ومعلوم انتفاؤه في محل النزاع، إذ الخلاف والتشاجر فيه ظاهر جلي.
وعن الثاني: بالمنع من دلالة الصحة، بمعنى ترتب الأثر على وجود الحكمة في الثبوت، إذ من الجائز عقلا انتفاء الحكمة في إيقاع عقد البيع وقت النداء مثلا مع ترتب أثره - أعني انتقال الملك - عليه. نعم، هذا في العبادات معقول، فان الصحة فيها باعتبار كونها عبارة عن حصول الامتثال، تدل على وجود الحكمة المطلوبة، وإلا لم يحصل.
وبما قدمناه في الاحتجاج على دلالة النهي على الفساد في العبادات يظهر