جواب الاستدلال على انتفاء الدلالة لغة، فإنه على عمومه ممنوع. نعم هو في غير العبادات متوجه.
واحتج مثبتوها كذلك لغة أيضا، بوجهين:
أحدهما: ما استدل به على دلالته شرعا (1)، من أنه لم يزل العلماء يستدلون بالنهي على الفساد.
وأجاب عنه أولئك: بأنه إنما (2) يقتضي دلالته على الفساد، وأما أن تلك الدلالة بحسب اللغة، فلا. بل الظاهر أن استدلالهم به على الفساد إنما هو لفهمهم دلالته عليه شرعا، لما ذكر من الدليل على عدم دلالته لغة، والحق ما قدمناه: من عدم الحجية في ذلك. وهم وإن أصابوا في القول بدلالته في العبادات لغة، لكنهم مخطئون (3) في هذا الدليل. والتحقيق (4) ما استدللنا به سابقا.
الوجه الثاني لهم: أن الامر يقتضي الصحة، لما هو الحق من دلالته على الاجزاء بكلا تفسيريه. والنهي نقيضه، والنقيضان مقتضاهما نقيضان.
فيكون النهي مقتضيا لنقيض الصحة، وهو الفساد.
وأجاب الأولون: بأن الامر يقتضي الصحة شرعا، لا لغة، ونقول بمثله في النهي. وأنتم تدعون دلالته لغة. ومثله ممنوع في الامر.
والحق أن يقال: لا نسلم وجوب اختلاف أحكام المتقابلات، لجواز اشتراكها في لازم واحد، فضلا عن تناقض أحكامها. سلمنا، لكن نقيض قولنا: " يقتضي الصحة ": أنه " لا يقتضي الصحة "، ولا يلزم منه أن " يقتضي الفساد ". فمن أين يلزم في النهي أن يقتضي الفساد؟ نعم يلزم أن لا يقتضي الصحة. ونحن نقول به.
حجة النافين للدلالة مطلقا، لغة وشرعا: أنه لو دل لكان مناقضا للتصريح