عن الفعل المنهي عنه، ومنهم العلامة (1) - رحمه الله - في تهذيبه. وقال في النهاية (2):
المطلوب بالنهي نفس أن لا تفعل. وحكى: أنه قول جماعة كثيرة. وهذا هو الأقوى.
لنا: أن تارك المنهي عنه كالزنا، مثلا، يعد في العرف ممتثلا، ويمدحه العقلاء على أنه لم يفعل، من دون نظر إلى تحقق الكف عنه، بل لا يكاد يخطر الكف ببال أكثرهم. وذلك دليل على أن متعلق التكليف ليس هو الكف، و إلا لم يصدق الامتثال، ولا يحسن (3) المدح على مجرد الترك.
احتجوا: بأن النهي تكليف، ولا تكليف إلا بمقدور للمكلف. ونفي الفعل يمتنع أن يكون مقدورا له، لكونه عدما أصليا، والعدم الأصلي سابق على القدرة وحاصل قبلها، وتحصيل الحاصل محال.
والجواب: المنع من أنه غير مقدور، لان نسبة القدرة إلى طرفي الوجود والعدم متساوية. فلو لم يكن نفي الفعل مقدورا، لم يكن إيجاده مقدورا، إذ تأثير صفة القدرة في الوجود فقط، وجوب، لا قدرة.
فان قيل: لابد للقدرة من أثر عقلا، والعدم لا يصلح أثرا، لأنه نفي محض. و أيضا فالاثر لابد أن يستند إلى المؤثر ويتجدد، والعدم سابق مستمر، فلا يصلح أثرا للقدرة المتأخرة.
قلنا: العدم إنما يجعل أثرا للقدرة باعتبار استمراره. وعدم الصلاحية بهذا الاعتبار في حيز المنع، وذلك لان القادر يمكنه أن لا يفعل فيستمر، وأن يفعل فلا يستمر. فأثر (4) القدرة إنما هو الاستمرار المقارن لها، وهو مستند إليها، و متجدد (5) بها.