تتضمن انهم قالوا بذلك قياسا دليلا على القول به من طريق النصوص فان قالوا الفرق بين الامرين ان القياس لا يجب اتباع العالم فيه والنصوص يجب اتباعه فوجب نقل النص ولا يجب مثله في القياس قلنا إطلاقكم ان القياس لا يجب فيه الاتباع لا يصح على مذاهبكم بل يجب فيه الاتباع إذا ظهر وجه القول به وامارات غلبة الظن فيه وانما لا يجب القول به بارتفاع هذا الشرط وعلى العالم أن يظهر وجه القول لمن خالفه ليظهر له منه ما يكون فرضه معه الانتقال عما كان عليه ولولا هذا ما حسنت مناظرة أصحاب القياس والاجتهاد بعضهم لبعض ولم ينقل عن الصحابة وجه قولهم في مسألة الحرام التي وقع النص من مخالفينا عليها لقوتها عندهم ولم يرد (يرو خ ر) عن أحد منهم العلة التي من اجلها جعله طلاقا ثلثا أو ظهارا أو يمينا على انه انما يجب على المعتقد للمذهب أن يظهر وجه قوله عند المناظرة والحاجة الداعية فاما أن يكون ظهور وجه القول كظهور القول والمذهب فغير واجب وكيف يقال ذلك ونحن نعلم ان كثيرا من الصحابة والتابعين ومن كان بعدهم قد ظهرت عنهم مذاهب كثيرة فيما طريقه العلم والدليل القاطع من غير أن يظهر عنه أو ينقل ما كان دليله بعينه ولأي طريق قال بذلك المذاهب واعتقده فان قالوا فقد تناظروا ورد بعضهم على بعضهم ولم يذكر عنهم احتجاج بنص قلنا ليس يمكن أن يحكى عنهم في مسألة الحرام وغيرها من المسائل انهم اجتمعوا فيها لمناظرة والمنازعة وحاج بعضهم بعضا ورد بعضهم على بعض ولم يذكروا أدلة النص ولا وردت بشئ من ذلك رواية وأكثر ما روى إضافة هذه المذاهب إلى القائلين بها على انهم ان كانوا تناظروا وتنازعوا فلابد من أن يظهر كل واحد منهم وجه قوله سواء كان نصا أو قياسا وفي مثل هذه الحال لا يسوغ الاعتراض عن ذكر وجه القول وان جاز في غيرها ولهذا لا نجد أحدا من الفقهاء ينازع خصومه ويرد مذاهبهم عليهم على سبيل المناظرة ولا يظهر وجه قياسه والعلة التي من اجلها ذهب إلى ما ذهب إليه بل لابد له من تحرير علله وتهذيبها والاحتراز فيها من النقض وإذا كنا لم نجد رواية منهم بوجه قياسه وبالعلة التي من اجلها جمع بين الامرين الذي شبه أحدهما بالاخر فيجب أن ينفى عنهم القول بالقياس ان كان ما فرضتموه صحيحا فان قالوا من شأن العلماء أن يذكروا النصوص الشاهدة لأقوالهم ومذاهبهم ليرتفع عنهم التهمة في الخطاء أو القول بغير دليل قلنا ومن شأنهم أن يذكروا الوجه القياس المصحح لمذاهبهم ليرتفع عنهم التهمة وبعد فلعل القوم كانوا آمنين من ان يتهموا بالسحت والاعتقادات المبتدأة فلم يحتاجوا إلى ذلك فان قالوا ليس نجد في نصوص الكتاب والسنة ظاهرا ولا دليلا يدل على هذه المذاهب التي حكينا اختلافهم فيها الا ان يدعوا نصوصا غير ظاهره بان اختص كل واحد منهم بها فيظهر بطلان قولكم لكل أحد ويلزم حينئذ أن يكون تلك النصوص قد أشيعت وأظهرت ليعلم ويعرف والا طرق ذلك ابطال الشريعة أو أكثرها
(٩٦)