ندب ومستحب على ما قدمناه واما الذي يستحق بتركه الذم فعلى ثلاثة اضرب أحدها انه متى لم يفعله الفاعل ولا ما يقوم مقامه استحق الذم وهو المسمى بأنه واجب مخير فيه وذلك نحو الكفارة الثلاثة وما أشبه ذلك وقضاء الدين وغير ذلك والثاني ما إذا لم يفعله بعينه استحق الذم وهو الموصوف بأنه واجب مضيق وذلك نحو رد الوديعة ووجوب رد ما تناوله الغصب بعينه وغير ذلك والثالث انه إذا لم يفعله من وجب عليه ولا من يقوم مقامه فعله استحق الذم وذلك المسمى من فروض الكفايات نحو الصلاة على الأموات وتغسيلهم ودفنهم ونحو الجهاد وغير ذلك واما قولنا في الفعل انه مفروض وواجب فعبارتان عن معنى واحد الا انه لا يسمى فرضا الا إذا اعلم فاعله وجوبه أو دل عليه كما قلناه في المباح والندب وقد يعبر بالفرض عما وقع في الشرع مقدرا وذلك نحو ما قيل ان ذلك من فرايض الصدقة والمراد به مقاديرها ونحو ما روى عنه (ع) ان فرض صدقه لفطر صاعا من تمر والمعنى بذلك انه قدرها ويحتمل أن يكون المراد به انه أوجبها واما قولنا في الشئ انه سنة فهو ان النبي (ع) قد امر بأدائه إذا كان يديم فعله ليقتدى به وهو مأخوذ من سننت الماء إذا واليت بين صبه ولا فعل بين أن يكون واجبا أو ندبا أو مباحا وربما استعملت الفقهاء هذه اللفظة فيما يكون مندوبا إليه من الشرعيات ليفصلوا بينه وبين الواجب فيقولون ركعتي (ركعتا خ ر) الفجر سنة وصلاة الليل سنة وصلاة الغداة فريضة والأصل ما قدمناه فاما الفعل الحسن فعلى جميع مراتبه يقع من كل فاعل قديما كان أو محدثا الا أنه يمنع من التسمية في بعض الاقسام في افعال القديم لما قدمناه من الشرط المفقود منه واما القبيح فإنه مختلف أحوال الفاعلين فيه فالقديم تعالى لا يجوز أن يقع منه شئ من القبيح لعلمه بقبحه وانه غنى عنه واما الأنبياء عليهم السلام فكذلك لا يقع منهم شئ من القبيح أصلا وكذلك (كذا خ ر) الرسل سواء كانوا من البشر أو من الملائكة وكذلك حكم الأئمة الحافظين للشرع فاما من ليس بنبي أو رسول أو امام فإنه يجوز أن يقع منه الفعل القبيح أو من اخبر الله عنه أنه لا يختار القبيح فيعلم ذلك من حاله وسواء كانوا من البشر أو من الملائكة لا يختلف حالهم في ذلك وقد لا يقع من الأنبياء والمرسلين (والرسل خ ر) والأئمة عليهم السلام ما ينفر من (عن خ ر) قبول أقوالهم وان لم يكن ذلك قبيحا وأمثلته كثيرة لا يحتاج إلى ذكرها هاهنا وقد يجوز أن تختص الأنبياء بافعال شرعية دون غيرهم وكذلك يجوز في آحاد الأئمة أن يختص واحد منهم بشئ من الشرع دون غيره فهذه جملة كافية في هذا الباب انشاء الله تعالى فصل في ذكر معنى التأسي بالنبي (ع) وهل يجب اتباعه في افعاله عقلا أو سمعا وكيف القول فيه التأسي لا يكون الا باعتبار شيئين أحدهما صورة الفعل والثاني الوجه الذي وقع عليه الفعل والذي يدل على ذلك انه (ع) لو صلى لم يكن لنا اتباعه والتأسي به بأن نصوم أو نحج أو نعتكف وانما كان ذلك لمخالفة أفعالنا لفعله (ع) وكذلك لو صلى (ع) على جهة الندب لم يكن من صلى على جهة الوجوب متبعا له وكذلك إذا صلى على جهة الوجوب لم يكن من صلى على جهة الندب متبعا له ولا متأسيا به وانما كان كذلك لمخالفة فعلنا لفعله في الوجه
(٥٢)