في الموضع الذي ذكروه وانما يعلم بقوله تعلق فعله بالقول المجمل واما بيان صفته فإنه يحصل بالفعل دون القول على ما بيناه ويدل على ذلك أيضا رجوع المسلمين بأجمعهم في عهد الصحابة من بعدهم في بيان صفة الصلاة والحج والطهارة إلى افعال النبي صلى الله عليه وآله ويبينوا بذلك قوله تعالى أقيموا الصلاة ولله على الناس حج البيت فلولا انهم علموا ان ذلك يقع به البيان والا لم يجز الرجوع إليه ويدل أيضا على ذلك ما روى عن النبي (ع) (صلى الله عليه وآله) انه قال لأصحابه صلوا كما رأيتموني اصلى وخذوا عنى مناسككم فما حالهم في بيان ذلك على افعاله فلولا ان البيان واقع بها والا لم يجز منه ان يحيلهم عليها وقد يبين الفعل بالفعل كما بين به القول نحو ان يقنت النبي صلى الله عليه وآله في الفجر وغيره من الصلوات ثم نراه يتركه في تلك الصلاة فيعلم بذلك انه لم يكن واجبا لأنه لو كان واجبا لما تركه على حال ونحو جلسته إلى الركعة الثانية تارة وتركها لها أخرى فان ذلك يدل على انها لم تكن واجبة وقد يدل تركه للشئ على حاله له أخرى نحو أن يترك الصلاة في وقت مخصوص فان ذلك يدل على انها ليست واجبة فان كان قد تقدم دليل يدل على وجوبها في ذلك الوقت فان تركه لها في ذلك الوقت يدل على انها قد نسخت أو خصت ومتى حدثت حادثة ولم يبين الحكم فيها فان ذلك يدل على انها باقية على حكم العقل لأنه لو كان لها حكم شرعي لبينه أو نبه عليه وإذا ترك النكير على من اقدم بحضرته على فعل ولم يتقدم منه بيان لقبحه دل على انه ليس بقبيح فعلى هذه الوجوه تعتبر افعاله (ع) لا بأعيان المسائل ومتى حصل قول وفعل يمكن أن يكون كل واحدا منهما بيانا للمجمل وجب العمل بالقول لأنه انما تلتجئ إلى الفعل ونجعله بيانا للمجمل عند الضرورة فاما مع وجود البيان بالقول فلا حاجة بنا إلى ذلك والبيان من حقه أن يكون في حكم المبين فان كان المبين واجبا كان بيانه واجبا وان كان ندبا كان بيانه ندبا وان كان مباحا كان بيانه مباحا ولاجل ذلك نقول ان افعاله (ع) إذا كانت بيانا لجملة واجبة كانت واجبة وإذا كانت بيانا لجملة مندوب إليها كانت كذلك والمجمل على ضروب منها ما يكون لازما لجميع المكلفين فما هذا حكمه يجب أن يكون بيانه في حكمه في الظهور وذلك مثل الصلاة والطهارة وما أشبههما ومنها ما يختص بفرضه الأئمة فينبغي أن يكون للأئمة طريق إلى العلم بها ولا يجب ذلك في غيرهم ومنها ما تختص بالعلماء فينبغي أن يكون لهم طريق إلى معرفته وقد أجاز من خالفنا وقوع البيان بخبر الواحد والقياس كما أجازوا العمل بهما وعندنا ان ذلك غير جايز على ما بينا القول فيه فاما على المذهب الذي اخترناه من العمل بالاخبار التي ينقلها الطايفة المحقة فإنه لا يمتنع العمل بها في بيان المجمل ولذلك رجعت الطايفة في كثير من احكام الصلاة والوضوء و احكام الزكاة والصوم والحج إلى الأخيار التي رووها ودونوها في كتبهم وأصولهم ومن قال من أصحابنا انه لا يجوز العمل بها الا إذا كانت معلومة ينبغي أن يقول لا يقع بها البيان أصلا وهذا خلاف ما عليه عمل الطايفة على ما بيناه وهذه جملة كافية في هذا الباب انشاء الله تعالى فصل فيما الحق بالمجمل وليس
(٧)