وان كان ذلك مما أنزله الله والحكم باق بلا خلاف وكذلك روى تتابع صيام كفارة اليمين في قراءة عبد الله بن مسعود لأنه قد نسخ التلاوة والحكم باق عند من يقول بذلك واما نسخهما معا فمثل ما روى عن عايشة انها قالت كان فيما أنزله تعالى عشرة رضعات يحرمن ثم نسخت بخمس فجرت بنسخة تلاوة وحكما وانما ذكرنا هذه المواضع على جهة المثال ولو لم يقع شئ منها لما أخل بجواز ما ذكرناه وصحته لان الذي أجاز ذلك ما قدمناه من الدليل وذلك كاف في هذا الباب فصل في نسخ الشئ قبل وقت فعله ما حكمه اختلف العلماء في ذلك فذهب طايفة من أصحاب الشافعي وغيرهم إلى جواز نسخ الشئ قبل وقت فعله والى ذلك كان يذهب شيخنا أبو عبد الله وذهب المتكلمون من المعتزلة وأكثر أصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي إلى ان ذلك لا يجوز وهو الذي يختاره سيدنا المرتضى قدس الله روحه وهو الذي يقوى في نفسي والذي يدل على ذلك ان القول بجواز ذلك يؤذن إلى أن ينهى الله تعالى عن نفس ما امر به لأنه إذا امر بشئ بعينه في وقت بعينه ثم نهاه عنه قبل مجيئ الوقت عن ذلك الفعل بعينه فقد نهاه عن نفس ما امره به وذلك قبيح من وجهين أحدهما ان ذلك الفعل لا يخلو من أن يكون قبيحا أو حسنا فالامر به قبيح وان كان حسنا فالنهي عنه قبيح وذلك (هذا خ ل) وجب كونه فاعلا للقبح تعالى الله عن ذلك والوجه الاخر انه يؤدى إلى البداء لأنه لو كان حال ما امر به على ما كان عليه قبل الاخر لما نهى عنه فدل نهيه على انه قد ظهر له من حاله ما لم يكن ظاهرا أو استتر عنه ما كان عالما به وكل ذلك لا يجوز عليه تعالى لان البداء إذا لم يجز عليه لم يجز ان يفعل ما يدل على البداء فان قيل انا انما نجيز ان ينهى قبل الوقت عن مثل ما أمر به لا عنه بعينه فلا يلزم ما ذكرتموه قيل له ان الامر الأول اقتضى فعلا واحدا في هذا الوقت فإذا نهى عن مثله لم يوصف ذلك بأنه نسخ أصلا فان قالوا لو اقتضى الفعلين جميعا فكيف كان جوابكم قيل له ان كان أرادهما جميعا بالامر فإذا نهى عن أحدهما فقد نهى عما امر به وهذا هو الذي أفسدناه آنفا وان كان أراد أحدهما فهو المأمور به دون الاخر والنهى أنبياء عن انه لم يرد (أراد خ ل) غير هذا الفعل فقط وهذا جايز عندنا هذا إذا صح الجمع بين الفعلين فاما ان تعذر ذلك فالامر بهما مستحيل الا على وجه التخيير وامر بهما على وجه التخيير فقد أريدا جميعا والنهى عن أحدهما كالنهي عنهما جميعا في انه نهى عما امر به فان قال أفيجوز عندكم ان يأمر بالشئ في وقت وينهى عنه قبل وقته عن مثله وان لم يكن ذلك نسخا قيل له إذا كانا مثلين وواقعين على وجه واحد فبعيد أن يكون أحدهما مصلحة والاخر مفسدة فلذلك لم يحسن النهى عن مثل ما امر به في وقته فان قالوا انا انما نجوز النسخ قبل وقت الفعل بأن يأمر الله تعالى بالفعل ويريد منا اعتقاده أو العزم عليه ثم ينهى عن الفعل بعينه فيكون المنهى عنه غير المأمور به قيل لهم ان الاعتقاد يتبع المعتقد لأنه انما
(٣٧)