وذلك وجه قبح فاما تأخير التبليغ فليس كذلك لان إذا لم يبلغ لم يخاطب أصلا فكيف يكون ذلك قبيحا وأيضا فإذا جاز أن يؤخر الله تعالى خطاب المكلف إلى الوقت الذي يعلم مصلحته فيه فكك الرسول (ع) فاما تعلقهم بقوله بلغ ما انزل إليك انما يقتضى وجوب التبليغ على الوجه الذي امر به وليس في ذلك منع من جواز التأخير واما تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا خلاف انه لا يجوز والوجه في ذلك ان تأخيره عن وقت الحاجة يجرى مجرى تكليف ما لا يطاق لأنه يتعذر عليه فعل ما كلف وذلك يمنع من صحة الأداء لان الأداء لا يصح الا بعد ان يعرف المكلف ما كلف أو يتمكن من معرفته أو معرفة ما يجب عليه من سببه ويصح أداؤه معه واما تأخير التبين عن وقت الحاجة فجايز لان المكلف يجوز أن يخطى فلا يتبين ولا يجب ذلك قبح الخطاب لأنه لم يؤت في ذلك من قبل المكلف وانما أتى من قبل نفسه وذلك لا يقبح التكليف فصل في ذكر جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب وذكر الخلاف فيه ذهب أبو علي وأبو هاشم ومن تبعهما من المتكلمين وأهل الظاهر إلى ان تأخير البيان عن حال الخطاب لا يجوز لا في العموم ولا في المجمل وقال جماعة من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة انه يجوز تأخير البيان في الامرين و قال كثير من أصحاب الشافعي ان تأخير بيان المجمل يجوز وامتنع من تأخير البيان في العموم وسائر ما ينبئ ظاهره عن المراد به وهو قول أبي الحسن وكان أبو عبد الله حكى عنه جواز تأخير البيان في المجمل وخرج على قوله الامتناع من تأخير بيان العموم والذي اذهب إليه انه لا يجوز تأخير بيان العموم ويجوز تأخير بيان المجمل وهو الذي اختاره سيدنا المرتضى واليه كان يذهب شيخنا أبو عبد الله رحمه الله والذي يدل على ذلك ان العقلاء يستحسنون خطاب بعضهم لبعض بالمجمل وان لم يبينوا المراد به في الحال الا ترى ان القايل يقول لغلامه إذا كان يوم الجمعة ادخل السوق واشترى الثياب والفاكهة وغير ذلك من الحوايج ما اثبته لك في رقعة وان لم يكتب الرقعة في الحال وكذلك يقول بعض الرؤسا لوكيل له اخرج إلى القرية الفلانية أو البلد الفلاني وتول العمل بها واعمل في جباية الأموال واستخراج الحقوق ما كتب لك به تذكرة وأثبتها لك ويكون ذلك حسنا وان لم يكتب التذكرة في الحال ويكون الفرض بجميع ذلك ان يعزم المخاطب وينطوي على امتثال جميع ما يأمره به ويبينه فيما بعد وإذا كان ذلك حسنا في الشاهد وجب أن يكون حسنا في كل خطاب فان قيل لو جاز أن يخاطب بالمجمل ولا يبين المراد في الحال لجاز من العربي أن يخاطب غيره بالزنجية وان لم يفهم منه شيئا أصلا فان قلتم ان المخاطب بالزنجية لا يفهم منه شيئا أصلا والمجمل يستفاد من امر ما وهو انه مأمورا الا ترى انه إذا قال تعالى خذ من أموالهم صدقة وأقيموا الصلاة وغير ذلك فالمخاطب يستفيد انه مأمور باخذ صدقة من ماله وان جهل مبلغها ووقف ذلك على البيان وهو مكلف بالعزيمة على ذلك والانطواء عليه متى يبين له وكذلك في الصلاة يعلم انه مكلف بفعل هو صلاة وعبادة إلا أنه لا يعرف كيفية
(١٢)