آثروا الأئمة (ع) ولم يحك عن واحد من الأئمة (ع) النكير على أحد من هؤلاء ولا ايجاب القول بخلافه بل كانوا يصوبونهم في ذلك فمن خالف في ذلك كان مخالفا لما المعلوم خلافه فان قيل كما وجدناهم يرجعون إلى العلماء فيما طريقة الاحكام الشرعية وجدناهم أيضا كانوا يرجون إليهم في أصول الديانات ولم نعرف أحدا من الأئمة ولا من العلماء انكر عليهم ولم يدل ذلك على انه يسوغ تقليد العالم في الأصول قيل له لو سلمنا انه لم ينكر أحد منهم ذلك لم يطعن ذلك في هذا الاستدلال لان على بطلان التقليد في الأصول أدلة عقلية وشرعية من كتاب (كتابا) وسنة وغير ذلك وذلك كاف في النكير وأيضا فان المقلد في الأصول يقدم على ما لا يأمن أن يكون جهلا لان طريق ذلك الاعتقاد والمعتقد لا يتغير في نفسه عن صفة إلى غيرها وليس كذلك الشرعيات لأنها تابعة للمصالح ولا يمتنع أن يكون من مصلحتهم تقليد العلماء في جميع تلك الاحكام وذلك لا يتأتى في أصول الديانات و ان كان مخطئا في تقليده على ان الذي يقوى في نفسي ان المقلد للمحق في أصول الديانات وان كان مخطئا في تقليده غير مؤاخذ به وانه معفو عنه وانما قلنا ذلك لمثل هذه الطريقة التي قدمناها لأني لم أجد أحدا من الطائفة ولا من الأئمة (ع) قطع موالاة من سمع قولهم واعتقد مثل اعتقادهم وان لم يسند ذلك إلى حجة عقل أو شرع وليس لاحد أن يقول ان ذلك لا يجوز لأنه يؤدى إلى الاغراء بما لا يأمن أن يكون جهلا وذلك انه لا تؤدى إلى شئ من ذلك لان هذا المقلد لا يمكنه أن يعلم ابتداء ان ذلك سايغ له فهو خائف من الاقدام على ذلك ولا يمكنه أيضا ان يعلم سقوط العقاب عنه فيستديم الاعتقاد لأنه انما يمكنه أن يعلم ذلك إذا عرف الأصول وقد فرضنا انه مقلد في ذلك كله فكيف يعلم اسقاط العقاب فيكون مغرى باعتقاد ما لا يأمن كونه جهلا أو باستدامته وانما يعلم ذلك غيره من العلماء الذين حصل لهم العلم بالأصول و سبروا أحواله وان العلماء لم يقطعوا موالاتهم ولا أنكروا عليهم ولم يسغ ذلك لهم الا بعد العلم بسقوط العقاب عنه وذلك يخرجه عن باب الاغراء وهذا القدر كاف في هذا الباب ان شاء الله تعالى فصل في ان النبي (ع) هل كان مجتهدا في شئ من الاحكام وهل كان يسوغ ذلك له عقلا أم لا وان من غاب عن الرسول في حال حياته هل كان يسوغ له الاجتهاد أو لا وكيف حال من بحضرته في جواز ذلك اعلم ان هذه المسألة تسقط على أصولنا لأنا قد بينا ان القياس والاجتهاد لا يجوز استعمالها في الشرع وإذا ثبت ذلك فلا يجوز للنبي (ع) ذلك ولا لاحد من رعيته حاضرا كان أو غايبا لا حال حياته ولا بعد وفاته استعمال ذلك على حال واما على مذهب المخالفين لنا في ذلك فقد اختلفوا فذهب أبو على وأبو هاشم إلى انه لم يتعبد بذلك في الشرعيات ولا وقع منه الاجتهاد فيها وأوجبا كونه متعبدا بالاجتهاد في الحروب وحكى عن أبي يوسف القول بأن النبي (ع) قد اجتهد في الاحكام وذكر الشافعي في كتاب الرسالة ما يدل على انه يجوز أن يكون في احكامه ما قاله من جهة الاجتهاد وادعى أبو علي الاجماع على انه لم يجتهد النبي (ع) في شئ من الاحكام لم يجب ان تجعل أصلا ولا كفر من رده بل كان يجوز مخالفته كما يجوز مثل ذلك في أقاويل المجتهدين فلما ثبت كفر من رد بعض احكامه وخالفه
(١١٦)