فيه انما كان بالنصوص وأدلتها ليسلم دلالة ما رويناه على نفس القياس وما لا يزالون يتعلقون به في ذلك من قولهم ان المنكرين لذلك هم المستعملون له فلابد من حمل النكير على ما يوافق ما ظهر عنهم من استعمال القياس ضرورة أو من وجه لا يسوغ فيه التأويل ولا يدخله الاحتمال وانما ادعى ذلك عليهم وتعلق مدعيه بما لا ظاهر له ولا شهادة فيه بالقول بالقياس وأحسن أحواله أن يكون محتملا فكيف يصح ما ذكروه وهذه الجملة التي ذكرناها تسقط قولهم ان الرأي الذي أبوه هو الذي يصدر عن الهوى أو الذي يستعمل في غير موضعه وان أمير المؤمنين (ع) انما نفى أن يكون جميع الدين يؤخذ قياسا وكذلك أبو بكر انما استكبر استعماله الرأي في كتاب الله على وجه لا يسوغ فيه إلى غير ذلك مما يقولونه ويفزعون إليه لان كل ذلك منهم عدول عن الظاهر وتخصيص لاطلاقه وتأول لا يجب المصير إليه الا بعد القطع على صحة القياس وقول القوم به بما لا يحتمل التأويل فاما قول بعضهم انهم فعلوا ذلك تشددا واحتياطا للدين حتى لا يعول الفقهاء على القياس ويعدلوا عن تتبع الكتاب والسنة فظاهر السقوط وذلك ان التشديد لا يجوز أن يبلغ إلى انكار ما أوجبه الله تعالى أو فسخ فيه ولا يقتضى أن يخرجوا انكارهم المخرج الموهم لانكار الحق ولو كان ذلك غرضهم لوجب أن يصرحوا بذم العدول عن الكتاب والسنة والاعراض عن تأملهما والتشاغل بغيرهما من غير ان يطلقوا انكار القياس والرأي الذين هما عندكم أصلان من أصول الدين تاليان للكتاب والسنة والاجماع على انه يمكن أن (يقال) لهم مع تسليم ارتفاع النكير لم أنكرتم ان يكون بعض الصحابة الذين حكيتم عنهم الاختلاف في مسألة الحرام وغيرها قد رجع في مذهبه إلى القياس وهو من كان قوله منهم ابعد من أن يتناوله شئ من ظواهر الكتاب والسنة وأن يكون الباقون رجعوا في مذاهبهم إلى النصوص وأدلتها غير ان من ذهب إلى القياس منهم لم يظهر وجه قوله ولا علمت الجماعة انه قاله قياسا ولو علموا بذلك لأنكروه غير انهم لا يعلمونه وأحسنوا الظن بالقائل وظنوا انه لم يقل الا عن نص أو طريق يخالف القياس وليس يجب أن يكون وجه قول كل واحد منهم على التفصيل معلوما للجماعة ومتى أوجبوا ذلك ادعوه طالبناهم بالدليل على صحته ولن يجدوه و هذا أيضا مما لا انفكاك لهم منه واستدلوا أيضا بأن قالوا قد ظهر عن الصحابة القول بالرأي و إضافة المذاهب إليه ولفظة الرأي إذا أطلقت لم يفد القول بالحكم من طريق النص لان ما طريقه العلم لا يضاف إلى الرأي جليا كان الدليل أو خفيا ولا يستفاد من ذلك الا القول من طريق القياس والاجتهاد والاخبار الواردة في ذلك كثيرة ونحو ما روى عن أبي بكر في الكلالة أقول فيها برائي وقول عمر اقض فيها برائي وقوله هذا ما رأى عمر ونحو قول أمير المؤمنين عليه السلام في أمهات الأولاد كان رأى ورأى عمر الا يبيعن ثم رأيت بيعهن في هذه الجملة لا تدل على القياس والاجتهاد من الوجه الذي ذكرناه في اطلاق لفظة الرأي وإضافة المذهب إليه ولأنه أيضا لو كان رجوعهم فيما ذكرناه من اختلافهم
(١٠١)