ما يعتذر به للنصوص فان قال انى لم أوجب التناقض في هذه الاحكام فيلزموني ذلك في ورود النص بها وانما منعت وحالها هذه من التطرق بالقياس إليها قيل ليس يمتنع ما ظننت امتناعه إذا نصب الله تعالى لقضاء الصوم امارة توجبه وأخلى قضاء الصلاة من مثلها على ان للقوم أن يقولوا انا لا نثبت القياس في كل حكم وعلى كل أصل وانما نثبته بحيث يسوغ ويصح وأكثر ما يقتضيه ما أوردته مما هو بخلاف القياس فلا يسوغ دخوله فيه أن يمتنع فيه من القياس وفيما جرى مجراه فلم إذا امتنع القياس في هذه الأمور امتنع في غيرها فاما من نفى القياس واعتمد في نفيه على ان الحكيم لا يجوز أن يقتصر على أدون البيانين رتبة مع قدرته على إعلالهما وان النصوص أبلغ في البيان من القياس فيجب أن تكون العبادة في معرفة الاحكام مقصورة عليها فالكلام عليه أن يقال له أول ما في كلامك انه اعتراف بأن القياس يوصل به إلى الاحكام لأنه لا يجوز أن تقول انه اخفض رتبة في باب البيان من غيره الا والتبيين ويقع به وإذا ثبت كونه بيانا فما الذي يمنع من العبادة به وان كان أدون رتبة لما يعلمه الله تعالى من صلاح المكلف فيه وانه إذا توصل إلى الحكم به ولحقته المشقة في طريق كان أقرب إلى فعله واستحق عليه من الثواب ما لا يستحقه لو وصل إلى معرفته بالنص على انه يلزم على هذه العلة أن يكون العلم في جميع التكليف ضروريا لأنه أقوى في البيان من العلم المكتسب ومن يعتمد على هذه الطريقة لابد له من المناقضة لأنه تعلق كثيرا من الاحكام في الشريعة بالظنون نحو الاجتهاد في جهة القبلة وتقدير النفقات وجزاء الصيد وما أشبه ذلك فإذا جازت العبادة بالظنون في هذه الاحكام مع امكان ورود البيان فيهما بالنص الموجب للعلم ولم يكن خارجا عن الحكمة جاز مثله في سائر الاحكام فاما من نفى القياس من حيث لم يأت العبادة به ولم يقطع السمع العذر في صحته فهو الصحيح الذي نختاره ونذهب إليه لان القياس متى جاز في العقل ورد العبادة إذا تعلقت به مصلحة في التكليف فلابد في جواز استعماله في الشرع من دليل سمعي لأنه يجرى مجرى سائر الافعال الشرعية التي إذا جاز في العقل ان تدخل في العبادة لبعض الصالح (المصالح) فلابد في استعمالها من دليل سمعي والذي يلزمنا ان نورد ما يعتمده مثبته من الطرق التي ظنوا انها أدلة عليه سمعية ونبين انها مشتبهة وليست بأدلة ولا موجبة للتعبد به فاما من يذهب إلى ان العادة وردت بما يمنع منه فهو أيضا مذهبنا ونحن نبين في الفصل الذي يلي هذا الفصل ما عندنا فيه انشاء الله تعالى فصل في ان القياس في الشرع لا يجوز استعماله لنا في المنع من استعمال القياس في الشريعة طريقتان أحدهما انه إذا ثبت جواز العبادة به من جهة العقل فثبوت العبادة به تحتاج إلى دليل شرعي وقد علمنا انه ليس في الشرع دليل على ان القياس دين الله تعالى يجوز استعماله لا من جهة الكتاب ولا من جهة السنة المتواترة بها ولا من الاجماع وانما قلنا ذلك لأنا قد استقرينا جميع ذلك فعلنا انه ليس فيه ما يدل على وجوب العمل بالقياس ونحن نذكر المواضع التي يستدل بها من ظاهر القران على وجوب العمل بالقياس
(٨٩)