صاحبه به فان قيل من اين قلتم ان الواجبات في الشرع لا تجب الا لكونها ألطافا ثم من اين قلتم ان ذلك لا يعلم من حالها الا بالسمع ليتم ما ذكرتموه قلنا لان وجوبها إذا ثبت وكان لابد له من وجه لم يخل من القسمين الذين قدمناهما وهما اما صفة تختص الفعل ولا يتعداه أو لتعلقه بغيره على وجه اللطف وليس يجوز في الشرعيات الوجه الأول لأنها لو وجبت لصفة يخصها لجرى (تجري ظ) مجرى رد الوديعة في انه وجه الوجوب أن يعلم على تلك الصفة ويعلم وجوبها متى علمناها لأنه لا يصح ان يجب لصفة تختص بها ولا يصح أن يعلم عليها ولا يعلم وجوبها وقد علمنا ان الصلاة وسائر الشرعيات يعلم بالعقل صفاتها وان لم يعلم وجوبها فدل ذلك على بطلان القسم الأول ولم يبق الا الثاني وإذا ثبت انها تجب الالطاف ولم يكن في العقل دليل على ان وقوع بعض الافعال منا تختار عنده فعلا آخر لان العقل لا يدل على ما تختاره الانسان ولان دلالة العقل أيضا طريقتها واحدة ولم يصح ان يدل على الشئ ونفيه والحكم وضده كما تراه في الشرايع من اختلاف المكلفين والناسخ والمنسوخ فلم يبق الا ان الطريق إليها السمع ولولا ما ذكرناه لما احتج في معرفة المصالح الشرعية إلى بعثة الأنبياء عليهم السلام فان قالوا العقل يقتضى في كل شبيهين ان حكمهما واحد من حيث اشتبها فوجب أن يحكم في الأرز بحكم البر عقلا وان لم يأت السمع قيل لهم الاشتباه الذي يقتضى المشاركة في الحكم هو فيما يعلم ان الحكم فيه يجب عن ذلك الشبه أو يكون في حكم الموجب عنه نحو علمنا بان ما شارك العالم في وجوب العلم في قلبه يجب كونه عالما وما شارك رد الوديعة في هذه الصفة كان واجبا فاما العلل التي هي أمارات أفلا يجب بالمشاركة فيها المشاركة في الحكم لان العقل لا يعلم به كونه علة جملة ولو علم كونها علة لم يجب فيما شاركه فيها مثل حكمها لان المصالح الشرعية مختلفة من حيث تعلقت بالاختيار فلا مدخل للايجاب فيها ولهذا جاز أن يكون الشئ في الشرع مصلحة وما هو مثله مفسدة وجاز اختلاف الأعيان والأوقات في ذلك فان قال إذا حرم الله (تعالى) الخمر ورأيت التحريم تابعا للشدة يثبت بثبوتها ويزول بزوالها علمت ان علة الشدة ولا احتاج إلى السمع كما لا احتياج في العقليات إليه قيل له ليس يكون ما ذكرته من الاعتبار أقوى من أن ينص الرسول صلى الله عليه وآله في الخمر ان علة تحريمها هي الشدة وقد بينا ان ذلك لا يوجب التخطي ولا يقتضى اثبات التحريم في كل شديد الا بعد التعبد بالقياس لأنه غير ممتنع ان مخالفا في المصلحة وان وافقه في الشدة وبينا ان النص على العلة الشرعية يجرى مجرى النص على الحكم في امتناع التخطي الا بدليل مستأنف فاما من زعم ان السمع قد ورد بالتعبد بالقياس فنحن نذكر قوى ما اعتمده و نتكلم على شئ منه أحد ما اعتمدوه قوله تعالى فاعتبروا يا أولى الابصار قالوا والاعتبار هو المقايسة لان الميزان يسمى معيارا من حيث قيس به مساواة الشئ بغيره ولما روى عن ابن عباس من قوله في الأسنان اعتبروا حالها بالأصابع التي ديها متساوية وربما استدلوا بالآية على وجه اخر فقالوا
(٩٢)