القدير تعالى من الأمراض بعد الصحة والفقر بعد الغنى وانه إذا جاز أن يختلف بحسب مصالح العباد فكذلك ما يكلفونه (ما ينفونه خ ل) وهذا قريب وان كان الأول هو الأصل فاما من أبى النسخ من أهل الصلاة فما قدمناه يبطل قوله ويبطله أيضا وقوع النسخ في شريعتنا بلا ارتياب لأنه لا خلاف بين الأمة ان القبلة كانت إلى بيت المقدس وانه نسخ ذلك بالتوجه إلى الكعبة وكذلك نسخ الحول في عدة المتوفى عنها زوجها بأربعة اشهر وعشرا ونسخ أيضا تقديم الصدقة بين يدي نجوى الرسول وكذلك نسخ وجوب ثبات الواحد للعشرة (بثبات) الواحد للاثنين ونظائر ذلك كثير فلا معنى للاكثار فيه وهذه جملة كافية في هذا الباب فصل في ذكر جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم جميع ما ذكرناه جائز دخول النسخ فيه لان التلاوة إذا كانت عبادة والحكم عبادة أخرى جاز وقوع النسخ في إحديهما مع بقاء الاخر كما يصح ذلك في كل عبادتين وإذا ثبت ذلك جاز نسخ التلاوة دون الحكم والحكم دون التلاوة فان قيل كيف يجوز نسخ الحكم مع بقاء التلاوة وهل ذلك الا نقض لكون التلاوة دلالة على الحكم لأنها إذا كانت دلالة على الحكم فينبغي أن يكون دلالة ما دامت ثابتة والا كان نقضا على ما بيناه قيل له ليس ذلك نقضا لكونها دلالة لأنها انما تدل على الحكم ما دام الحكم مصلحة واما إذا تغير حال الحكم وخرج من كونه مصلحة إلى غيره لم يكن التلاوة دلالة عليه وليس لهم أن يقولوا لا فايدة في بقاء التلاوة إذا ارتفع الحكم وذلك انه لا يمتنع ان يتعلق المصلحة بنفس التلاوة وان لم يقتض الحكم وإذا لم يمتنع ذلك جاز بقائها مع ارتفاع الحكم وليس لهم ان يقولوا ان هذا المذهب يؤدى إلى انه يجوز أن يفعل جنس الكلام بمجرد المصلحة دون الإفادة وذلك مما تأبونه لأنا انما نمنع في الموضع الذي أشاروا إليه إذا أخلا الكلام من فايدة أصلا وليس كذلك بقاء التلاوة مع ارتفاع الكلام لأنها إفادة في الابتداء تعلق الحكم بها و قصد بها ذلك وانما تغيرت المصلحة في المستقبل في الحكم فنسخ وبقى التلاوة لما فيها من المصلحة وذلك يخالف ما سأل السائل عنه واما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فلا شبهة فيه لما قلناه من جواز تعلق المصلحة بالحكم دون التلاوة وليس لهم أن يقولوا ان الحكم قد ثبت بها فلا يجوز مع زوال التلاوة بقائه وذلك ان التلاوة دلالة على الحكم فليس في عدم الدلالة عدم المدلول عليه الا ترى ان انشقاق القمر ومجرى الشجرة دال على نبوة نبينا ولا يوجب عدمهما خروجه (ع) من كونه نبيا صلى الله عليه وآله كذلك القول في التلاوة والحكم ويفارق ذلك الحكم العلم الذي يوجب عدمه خروج العلم من كونه عالما لان العلم موجب لا انه دال واما جواز النسخ فيهما فلا شبهة أيضا فيه لجواز تغير المصلحة فيما وقد ورد النسخ بجميع ما قلناه لان الله تعالى نسخ اعتداد الحول بتربص أربعة اشهر وعشر أو نسخ التصدق قبل المناجاة ونسخ ثبات الواحد للعشرة وان كانت التلاوة باقية في جميع ذلك وقد نسخ ابقاء التلاوة وبقى الحكم على ما روى من اية الرجم من قوله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله
(٣٦)