من الصحابة ان المسح على الخفين نسخ الكتاب لما علمنا انه ليس طريقه النسخ وكذلك لم يقبل قول من قال ان الماء من الماء منسوخ واما إذا قال الصحابي ان كذا وكذا كان حكما ثابتا من قبل وانه قد نسخ ولم يذكر ما به نسخ فان ابا عبد الله البصري حكى عن أبي الحسن انه كان يرجع إلى قوله وذلك نحو قول ابن مسعود حين ذكر له التشهد التحيات الزكيات فقال كان هذا مرة ثم نسخ بتشهده ونحو ما روى عن ابن عمر وابن عباس في الرضاع انهما قالا كان الواجب التوقيت واما الان فلا وذهب غيره إلى انه لا يرجع إلى قول الصحابي في ذلك لأنه إذا جاز فيما صرح بأنه ناسخ الا يكون ناسخا في الحقيقة فان اعتقد هو فيه ذلك فغير ممتنع ان يطلق ذلك اطلاقا ولا يذكر ما لأجله قال لأنه (انه ظ) منسوخ لو ذكره كان مما لا يقع النسخ به ولو علم من حاله انه انما ذكر انه منسوخ لامر لا يلتبس لوجوب (لوجب ظ) الرجوع إلى قوله وقد يعلم التاريخ بأن يكون أحد الخبرين يقتضى حكما معلوما بغير شرع والاخر يقتضى حكما شرعيا فيكون ذلك هو الطاري على الأول نحو ما ذكر من حديث الذكر لان وجوب الوضوء من مسه هو الطاري فيصح أن ينسخ به حديث قيس وقد يعلم ذلك بأن يكون أحد الحديثين يقتضى حكما شرعيا معلوم من حاله انه المبتدء به في الشرع والاخر يقتضى حكما ثابتا فيعلم انه بعده فالتاريخ لا يعلم الا بهذه الوجوه التي حصرناها واما ما كان بها فاما إذا عدم التاريخ فقد بينا القول في ذلك في باب الاخبار المتعارضة وهذه الجملة كافية في هذا الباب فصل في ذكر جملة من احكام الافعال ومن يضاف إليه واختلاف أحوالهم إذا أردنا أن نبين احكام الافعال فلابد من أن نبين أولا معنى الفعل وحده ليعلم ذلك ثم يبين حكمه فحد الفعل ما حدث وقد كان مقدورا قبله وهو على ضربين منه ما لا صفة له زايدة على حدوثه مثل كلام الساهي والنايم وحركاته التي لا تتعداه والضرب الاخر له صفة زايدة على حدوثه وهو على ضربين أحدهما قبيح والاخر حسن فحد القبيح هو كل فعل وقع من عالم بقبحه أو متمكن من العلم بذلك على وجه كان يمكنه ان لا يفعله فيستحق به الذم من العقلاء ولا ينقسم ذلك في كونه قبيحا وربما (ان ظ) انقسمت أسمائه إلى كفر وفسق بكبيرة وصغيرة عند من قال بذلك واما الحسن فينقسم ستة اقسام أحدها ما ليس له صفة زايدة على حسنه وحده ما يتساوى فعله وتركه فلا يستحق بفعله مدحا ولا بتركه ذما وهو المسمى مباحا وطلقا وغير ذلك الا انه لا يسمى بذلك الا إذا اعلم فاعله ذلك أو دل عليه ولذلك لا يوصف الفعل القديم العقاب بالعصاة بأنه مباح وان كان بصفته لما ذكرناه من انه (فإنه خ ر) لم يعلم ولم يدل عليه بل هو من عالم به لنفسه والثاني ما له صفة زايدة على حسنه وحده ما يستحق بفعله المدح وهو على ضربين أحدهما لا يستحق بتركه الذم والاخر يستحق بفعله الذم فما لا يستحق بتركه الذم هو المسمى ندبا ومستحبا ومرغبا فيه الا أنه لا يسمى بذلك الا إذا علم فاعله ذلك بنحو ما قلناه في المباح وينقسم هذا القسم قسمين أحدهما أن يكون نفعا أصلا لغير فاعله فيسمى بأنه تفضل واحسان ويتساوى فيه فعل القديم والمحدث في التسمية بذلك والقسم الاخر لا يتعدى إلى الغير وهو المسمى بأنه
(٥١)