ابن ادم فليس طبايع الحيوان على حد واحد وإذا لم يكن على حد واحد لم يجز أن يعتبر بأحوال غيرنا أحوال نفوسنا ولمن خالفهم في ذلك أن يقول أحسب انه لا يمكن أن يعتبر بأحوال الحيوان المستبهم أحوال الحيوان من البشر أليس لو اقدم واحد منهم على طريق الخطاء أو الجهل على ما يذهبون إليه على تناول هذه الأشياء يعرف بذلك الخطاء ما هو غذا وفرق بينه وبين السم فينبغي أن يجوز لغيره أن يعتبر به ويجوز له بعد ذلك التناول منها وان لم يرد سمع لأنه قد امن العطب والهلاك والمعتمد في هذا الباب ما ذكرناه أولا في صدر هذا الباب فهذه جملة كافية في هذا المعنى ان شاء الله فصل في ذكر النافي هل عليه دليل أم لا والكلام في استصحاب الحال ذهب قوم إلى ان النافي ليس عليه دليل كما ان من قال لست عالما بالشئ لا دليل عليه وكما ان المنكر للدعوى ليس عليه بينة وكما لا دليل على من نفى نبوة المدعى للنبوة ومنهم من قال ان على النافي للاحكام العقلية دليلا وليس على النافي للاحكام الشرعية ذلك وذهب المحصلون من المتكلمين والفقهاء إلى ان كل من نفى حكما من الاحكام عقليا كان أو سمعيا كان عليه الدليل واليه اذهب لأنه الصحيح والذي يدل على ذلك ان النافي للحكم مدع للعلم بان ما نفاه منفى لأنه ان ادعى الشك في ذلك فلا يلزمه الدلالة لان قوله لا يعد مذهبا ولا يناظر عليه وإذا كان مدعيا للعلم وقد ثبت ان العلوم المكتسبة لابد لها من أوله وطرق موصلة إلى العلم فإذا ثبت ذلك فمتى طولب النافي بالدلالة فإنما يطالب بما أداه النظر إليه إلى نفى ما نفاه فعليه بيان دلالته كما يجب على المثبت ذلك لكن طريق الاستدلال يختلف في ذلك لان النافي للحكم يستدل بأن يقول الحكم الشرعي إذا تعبد الله تعالى به فلابد من أن يدل عليه فإذا عدمت الدلالة على ذلك من الكتاب والسنة والاجماع وجميع طرق الأدلة علمت ان الحكم منتف فليستدل بانتفاء التعبد به على نفى لزومه وكذلك بانتفاء ظهور العلم المعجز على يد المدعى للنبوة على نفى نبوته بأن يقال لو كان نبيا لوجب ظهور المعجز على يده فإذا لم يظهر علمت بانتفائه انتفاء كونه نبيا وكذلك يستدل بانتفاء احكام الصفات عن الموصوف على نفى الصفات كما يستدل على نفى المائية على القديم تعالى بانتفاء حكم لها ونقول لو كان له مائية لوجب أن يكون لها حكم فلما لم نجد لها حكما علمنا انتفائها وكذلك نستدل على انتفاء الصفات الزايدة على الصفات المعقولة في الجواهر والاعراض بان نقول لو كانت لها صفات أكثر من ذلك لكانت لها احكام معلومة اما ضرورة أو استدلالا فلما لم نجدها معلومة من هذين الطريقين علمنا
(١٢٣)