يدل على ذلك أيضا واعلم ان التأسي به انما يكون فيما يعلم حكمه بفعله فاما إذا كان قوله بيانا أو كان تنفيذا أو امتثالا لقول متقدم فإنه يفعله ذلك لان القول قد دل على وجوبه لأنه (ع) فعله ولا معنى لقول من قال لنا ان نتأسى به في ذلك كما انا لا نقول انا نتأسى به في العقليات لان ماله يفعل ذلك وبالطريق الذي عرف به (ع) وجوب الفعل به نعرف وجوبه فحاله كحالنا في ذلك فصل في الدلالة على ان افعاله (ع) كلها ليست على الوجوب ذهب مالك وأصحابه وطايفة من أصحاب الشافعي إلى ان افعال النبي (ع) كلها على الوجوب وذهب الباقون إلى انها على الندب واختلفوا فقال بعضهم انها على الإباحة وقال بعضهم انها على الندب وقال بعضهم انها موقوفة على الدليل وذهب المتكلمون وأبو الحسن الكرخي على ان افعاله (ع) على اقسام فمنها ما يكون لمجمل فذلك في حكم المبين ان كان واجبا فعلى الوجوب وان كان ندبا فعلى الندب وان كان مباحا فعلى الإباحة ومنها ما يكون امتثالا للخطاب وذلك لا مدخل له في هذا الباب لان الخطاب إذا كان يتناوله ويتناولنا على العموم فعلينا امتثاله كما عليه ذلك ومنها ما يكون فاعلا له على ما يقتضيه العقل أو يفعله لمصالح الدنيا وذلك أيضا لا مدخل له في هذا الباب ومنها ما يفعله من الشرعيات فهذا يجب أن يعلم الوجه الذي وقع عليه فعله (ع) فيتبع فيه بأن يفعل ذلك على الوجه ولا يصح أن يقال في جملتها انه على الوجوب أو على الندب أو على الإباحة والذي يدل على ذلك انا قد بينا ان ذلك لا يجب من جهة العقل في الفصل الأول وأدلة السمع خالية من ذلك فينبغي أن ينتفى كونها على الوجوب ويدل على ذلك أيضا ان فعله (ع) إذا كان يقع على وجوه كثيرة فليس يخلوا من أن يكون على الوجوب من غير اعتبار ذلك الوجه فالواجب أن يحكم بوجوب الفعل علينا وان علمنا ان (انه خ ر) فعله على طريق الندب أو الإباحة وهذا باطل بالاجماع وان كانت على الوجوب بأن يعتبر الوجوه التي عليها يقع فهذا تناقض لان اعتبار وجوهه ينفى وجوب جميعه يدل على ذلك أيضا انه بظاهر فعله لا يعلم وجوبه عليه فبان لا يعلم وجوبه علينا أولى ويخالف القول (في ذلك لان القول) منه (ع) يعلم وجوب ما تناوله علينا دونه من حيث كان امرا لنا ويختص لنا دونه وليس كذلك فعله لأنا تبع له فيه فإذا لم يدل على وجوبه عليه فان لا يدل على وجوبه علينا أولى و يدل على ذلك أيضا ان فعله (ع) لا يدوم في جميع الأحوال بل قد يتركه أحيانا فإذا صح ذلك فليس بان يحكم بوجوبه لأنه فعله بأولى من أن يحكم بوجوب تركه لأنه تركه إذ القول (الترك خ ر) فعل منه فهو بمنزلة الفعل في ذلك ويفارق ذلك الامر الذي ليس تركه بمنزلته فيما يختص به وهذا معتمد ما نستدل به في هذا الباب دون ما أكثر الناس فيه واما من خالف في هذا الباب فليس يخلو خلافه من ان يقول ان ذلك يجب من جهة العقل من حيث كان نبيا أو من حيث كان في مخالفته تنفير فان قال بذلك فقد بينا في الفعل انه لا يمتنع ان يخالف حالنا لحاله في المصالح وذلك يبطل ما قالوه أو يقول
(٥٥)