وان كان على سبيل الجملة دون التفصيل لأنه ليس يمكن أن يدعى ورود الكتاب بكل شئ مفصلا فصار العامل بالقياس عاملا بما امر الله تعالى به في كتابه وبينه وأكمله وهذه الجملة تنبيه على طريقة الطعن فيما جرى هذا المجرى من الاستدلالات فإنهم يتعلقون بشئ كثير من هذا الجنس لا فائدة في ذكر جميعه فصل في ان العبادة لم ترد بوجوب العمل بالقياس الذاهبون إلى القول بالقياس في الشرع فريقان أحدهما يوجب العمل به عقلا وهم الشذاذ على ما ذكرناه والآخرون يوجبون العمل به سمعا وان لم يثبتوه عقلا ونحن نفسد كلا القولين ليتم لنا ما قصدناه فاما من اثبته عقلا فالأصل في الكلام عليه ان يقال ان الفعل الواجب لابد من أن يكون له وجه وجوب لولاه لم يجب لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن بالوجوب أولى من غيره وماله يجب الفعل ينقسم قسمين أحدهما صفة تختصه ولا يتعداه إلى غيره وذلك جميع الواجبات العقلية نحو رد الوديعة والانصاف وشكر المنعم والاخر أن يكون وجوبه لتعلقه بغيره على سبيل اللطف نحو أن يختار المكلف عنده واجبا اخر أو يمتنع عن قبيح وليس يكون كذلك الا بعد أن يختص بنفسه بصفة تدعو إلى اختيار ما يختار عنده وهذا القسم على ضربين أحدهما يعرف (يعلم خ ر) بالفعل كوجوب معرفة الله لان جهة وجوبها متقررة (متقدرة خ ر) في (با خ ر) العقل وهو انا نكون عندها أقرب إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح وكعلمنا أيضا بان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجوز أن يكون على أحوال تنفر عن القبول منه نحو الفسق والأحوال الدنية المستخفة ومثل ما يلحقه بالمعرفة من وجوب الرياسة لكونها لطفا لأنه مستقر في عقل العقلاء ان الناس في الجملة لا يجوز أن يكونوا مع فقد الرؤساء في باب الصلاح والفساد على ما يكونون عليه مع وجودهم والضرب الثاني لا يعلم الا بالسمع لفقد الطرق إليه من جهة العقل وهو جميع الشرعيات والسمع الذي به يعلم وجوب ذلك قد يرد تارة بوجه الوجوب فيعلم عنده الوجوب وتارة يرد بالوجوب فيعلم عنده وجه الوجوب واحد الامرين يقوم مقام الاخر في العلم بالوجوب الا أنه إذا ورد بوجوبه (عما خ ر) لم يعلم وجه الوجوب الا على جهة الجملة وان ورد بوجه وجوبه مفصلا أو مجملا علمنا وجوبه مفصلا لان العلم بوجوبه لابد فيه من التفصيل لتنزاح علة المكلف من في (ظ) الاقدام على الفعل والعلم بوجه الوجوب قد يكون مجملا ومفصلا ويقوم أحد الامرين مقام الاخر فلو قال تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولم يوجبها لعلمنا وجوبها ولو نص على وجوبها بلفظ الايجاب لعلمنا في الجملة انها تنهى عن قبيح أو تدعوا إلى واجب فاما ماله قلنا إذا علمنا وجوب الفعل علمنا وجه وجوبه وإذا علمنا وجه الوجوب علمناه واجبا فهو ان من علم بالعقل رد الوديعة مع المطالبة علم وجه ومتى لم يعلم ذلك لم يعلم وجوبه وكذلك من علم الفعل ظلما على قبحه فان شك في كونه ظلما لم يعلم القبح وكما وجب هذا فهكذا أيضا متى علم كون الفعل الذي هو رد الوديعة واجبا علمه رد الوديعة فتعلق كل واحد من الامرين بصاحبه كتعلق
(٩١)