قد دل الله تعالى في (بهذه خ ر) هذه الآية على ان المشاركة في العلة تقتضي المشاركة في الحكم وذلك انه قال هو الذي اخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا انهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم من حيث لا يحتسبون وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الابصار فذكر ما خل بهم ونبه على علته وسببه ثم امر بالاعتبار وذلك تحذير من مشاركتهم في السبب فلو لم تكن المشاركة في السبب تقتضي المشاركة في الحكم ما كان لهذا القول معنى والكلام على ذلك ان يقال لهم ما تنكرون أن يكون لفظ الاعتبار لا يستفاد منه الحكم بالقياس وانما يستفاد به الاتعاض والتدبر والتفكر وذلك هو المفهوم من ظاهره واطلاقه لأنه لا يقال لمن يستعمل القياس العقلي انه معتبر كما يقال فيمن يتفكر في معاده ويتدبر أمر منقلبه ويتعظ بذلك انه معتبر وكثير الاعتبار وقد يتقدم بعض الناس في العلوم واثبات الاحكام من طريق القياس وتأمل فكره في معاده وتدبره فيقال انه غير معتبرا وقليل الاعتبار وقد يستوى في المعرفة بحال الشئ واثبات حكم اثنان فيوصف أحدهما بالاعتبار دون الاخر على المعنى الذي ذكرناه و لهذا يقولون عند الامر العظيم ان في هذا لعبرة وقال الله تعالى وان لكم في الانعام لعبرة وما روى عن ابن عباس خبر واحد لا يثبت بمثله اللغة ولو صح لكان محمولا على المجاز بشهادة الاستعمال الذي ذكرناه على انا لو سلمنا جواز استعمال الاعتبار في المقايسة لم يكن في الآية دلالة الا على ما ذكر منها من امر الكفار وظنهم ان حصونهم ما نعتهم من الله تعالى ووقوع ما وقع مكانه قال الله تعالى فاعتبروا بذلك يا أولى الابصار وليس يليق هذا الموضع بالقياس في الاحكام الشرعية لأنه تعالى لو صرح بعقب ما ذكر من حال الكفار بأن يقول فقيسوا في الاحكام الشرعية واجتهدوا لكان الكلام لغوا لا فائدة فيه فلا يليق بعضه ببعض فثبت انه أراد الأتعاض والتفكر على انه يمكن ان يقال لهم على تسليم تناول اللفظة للقياس باطلاقها ما تنكرون انا نستعمل موجب الآية بان نقيس الفروع على الأصول في انا لا نثبت لها الاحكام الا بالنصوص لان هذا أيضا قياس فقد ساويناكم في التعلق بالآية فمن اين لكم ان القياس الذي تناوله الآية هو ما تذكرونه دون ما ذكرناه وكلاهما قياس على الحقيقة وليس لهم أن يقولوا نحن نجمع بين الامرين لأنهما يتنافيان والجمع بينهما لا يصح ولا لهم أيضا ان يقولوا قولنا لنا صح (رجح خ ر) من حيث كان فيه اثبات للاحكام وقولكم فيه نفى لها وذلك لان الترجيح بما ذكروه انما يصح متى ثبت كلا وجهي القياس فيصح الترجيح و التفرقة فاما الخلاف فيهما هل يثبتان أو يثبت أحدهما فلا ترجيح يمكن في ذلك ويقال لهم في تعلقهم بالآية ثانيا إذا كان الله تعالى قد نبه على ما زعمتم بالآية على ان المشاركة في السبب و العلة تقتضي المشاركة في الحكم فيجب أن يكون كل من فعل مثل فعل الذين اخبر تعالى عنهم
(٩٣)