على موضع إذ قد بينا ان ماله كان صلاحا وداعيا إلى الفعل لا يمتنع ان يشترك فيه المختلفان في هذا الحكم وليس لاحد ان يقول إذا لم يوجب النص على العلة التخطي كان عبثا وذلك انه يفيدنا ما لم نكن نعلمه لولاه وهو ماله كان الفعل المعين مصلحة وفي الناس من فضل بين داعى الفعل وداعي الترك فقال إذا كان النص على علة الفعل لم يجب القياس الا بدليل مستأنف وان كان واردا العلة الترك وجب التخطي من غير دليل مستأنف وفصل بين الامرين بان ماله يترك أحدنا الفعل له يترك غيره إذا شاركه فيه لأنه لا يجوز أن يترك اكل السكر لحلاوته ويأكل شيئا حلوا ولا يجب هذا في الفعل لأنه يفعل الفعل لامر يثبت في غيره وان لم يكن فاعلا له وهذا صحيح لا شبهة فيه ومتى كان النص الوارد بالعلة كاشفا عن الداعي ووجه المصلحة أو عن الداعي فقط فاما ان كان مختصا بوجه المصلحة لم يجب ذلك لان الدواعي قد يتفق تارة وتختلف وجوه المصالح وأقوى ما يدخل على هذه الطريقة ان يقال قد بينتم استناد الظنون إلى العادات والتجارب وان الشرع لا يتم ذلك فيه وهذا صحيح فلم أنكرتم ان يحصل فيه طريقة يحصل عندها الظن وان لم تكن عادة ولا تجربة بل يجرى في حصول الظن عندها مجرى ما ذكرتم وهذا مثل ان نجد العين المسمات خمرا يحصل على صفات كثيرة فتكون مباحة غير محرمة فمتى وجدت فيها الشدة المخصوصة حرمت ومتى خرجت من الشدة بأن تصير خلا فيظن عند ذلك ان العلة هي الشدة لان الذي ذكرناه من حالها امارة قوية على كونها علة فمتى انضم إلى هذا الظن التعبد بالقياس وان يحمل ما حصل فيه علة التحريم من الفروع على الأصول ساغ القياس وصح ولم يمنع منه مانع وهكذا إذا رأينا بعض صفات الأصل هي المؤثرة في الحكم المعلل دون غيره كان بان تجعل علة أولى من غيرها وقوى الظن في انها العلة مثال ذلك انا إذا أردنا ان نعلل ولاية المرأة على نفسها وملكها لأمرها وجدنا بلوغها هو المؤثر في هذا الحكم مع سلامة أحوالها في الحرية والعقل دون كونها من وجه لان التزويج متى اعتبر لم يوجد له تأثير من باب الولاية وما يرجع إليها والبلوغ التأثير القوى فيها جعلناه العلة دون التزويج ويكفى ان يقال لمعتمدي هذه الطريقة لم زعمتم ان الظن إذا استند في بعض المواضع إلى عادة فإنه لا يقع في كل موضع الا على هذا الوجه وان العادة لا يقوم مقامها غيرها بأنهم لا يجدون معتصما ويمكن أيضا ان يقال لهم خبرونا عمن ابتداه الله تعالى كاملا في بعض الدور معه صاحب له جالس عنده وهو لا يعرف العادات ولا سمع الاخبار عنها الا انه وجد صاحبه الجالس معه حتى دخل إليه بعض الناس انصرف وخرج عن الدار وهو مع دخول غيره من الناس لا يفارق مكانه أليس هذا مع عقله وكماله يصح ان يقوى في ظنه ان علة خروج صاحبه انما هي دخول ذلك الرجل فان قالوا لا يصح ان يغلب ما ذكرتم في ظنه طولبوا بما يمنع منه ولن يجدوه وان أجازوه بطلت عليهم ذكر العادات والتجارب في باب الظنون وقيل لهم فيما تنكرون من أن يكون هذه حال الظنون في الشرع ويمكن أن يقولوا من بصره الطريقة التي قدمناها وان ما فرضتموه من جلوس بعض الناس عند من لم يعرف العادات وانصرافه إذا دخل عليه انسانا اخر وتكرر منه ذلك انما يغلب على ظنه كون دخول صاحبه علة الخروج الاخر لان ذلك يصير عادة وليس يلزم فيمن عرف عادة في شئ بعينه ان يعرف العادات كلها ألا ترى ان العادة تختص البلاد والأزمان ولا تكاد تتفق على حد واحد فكذلك القول فيما فرضتموه في السؤال فاما طعن مثبتي القياس على الطريقة المتقدمة تصحيحهم غلبة الظنون في الشريعة بقولهم انا وجدنا أهل القياس
(٨٧)