وهي الطريقة التي حكيناها عن شيخنا رحمه الله ووجه اعتماده عليها ان نقول قد علمنا القياس لابد فيه من حمل فرع على أصل بعلة أو شبه والعلة التي يتعلق الحكم بها في الأصل لا يخلو أن يكون (ع) طريق اثبات كونها علة العلم أو الظن والعلم لا مدخل له في هذا الباب وجميع من أثبت القياس في الشرع الا الشذاذ منهم يجعلون العلة المستخرجة المستدل عليها تابعة للظن وانما يجعلها معلومة من طريق الاستخراج من حيث اعتقد ان على العلل الشرعية أدلة توصل إلى العلم كالعقليات وقول هؤلاء واضح البطلان لا معنى للتشاغل به ولأنا إذا بينا ان الظن لا يصح حصوله في علل الشرع فأولى ان لا يحصل العلم وان كانت العلة تثبت علة بالظن فنحن نعلم ان الظن لابد له من امارة وطريق أولا كان مبتدأ لا حكم له وليس في الشرع امارة على ان التحريم في الأصل المحرم انما كان لبعض صفاته فكيف يصح ان يظن ذلك وليس هذا ما لا يزالون يمثلون به من ظن الربح والخسران أو التجارة أو الهلاك وان القبلة في جهة مخصوصة وغلبة الظن في قيم المتلفات وأرش الجنايات التي يستند الظن فيها إلى عادات وتجارب وامارات معلومة متقررة ولهذا يجد من لم يتجر قط ولم يخبره مخبر عن أحوال التجارة لا يصح ان نظر فيها ربحا ولا خسرانا وكذلك من لم يسافر ولم يخبر عن الطريق لا يظن نجاة ولا عطبا ولم يعرف امارة في القيم وغارسها لا يظن أيضا فيها شيئا وجميع ما نعلت فيه الظنون متى تأملته وجدته مستندا إلى ما ذكرناه مما لا يصح دخوله في الشرعيات على وجه ولا سبب ولقوة ما أوردناه ما قال قوم من أهل القياس ان العلل الشرعية لا تكون الا منصوصا عليها اما صريحا أو تنبيها ونزل الباقون رتبته فقالوا لا تثبت الا بأدلة شرعية والذي يمكن أن يقرض به على هذه الطريقة ان يقال من اعتمد هذه الطريقة على هذا التلخيص لابد من أن يكون مجوزا للعبادة به ومعرفة الاحكام من جهته لو حصل الظن الذي منع من حصوله ولابد من ان يقول من ان الله تعالى لو نص على العلة أو امر الرسول بالنص عليها وتعبد بالقياس لوجب حمل الفروع على الأصول بل الذاهب إلى هذه الطريقة ربما يقول لو نص الله على هذه العلة في تحريمه مثلا للخمر وذكر انها الشدة لوجب حملها فيه هذه العلة عليها وان لم يتعبد بالقياس لأنه يجرى مجرى ان ينص على تحريم كل شديد وان كان هذا غير صحيح لان العلل الشرعية انما تبنى (تنبئ) عن الدواعي إلى الفعل أو عن وجه المصلحة وقد يشترك الشيئان في صفة فيكون في أحدهما داعية إلى فعله دون الاخر مع ثبوتها فيه وقد تكون مثل المصلحة مفسدة وقد يدعو الشئ إلى غيره في حال دون حال وعلى وجه دون وجه وقدر دون قدر وهذا مقرون في الدواعي ولهذا جاز أن نعطى لوجه الاحسان فقيرا دون فقير ودرهما دون درهم وفي حال دون حال وان كان فيما لم نفعله الوجه الذي لأجله فعلنا بعينه فإذا صحت هذه الجملة لم يكن في النص على العلة ما يوجب التخطي وجرى النص على مجرى النص على الحكم في قصره
(٨٦)