إلى طرق العلم لما صح منهم الرجوع من رأى إلى رأى ولا التوقف فيه وتجويز كونه صوابا وخطاء ولا ان يمسكوا عن تخطية المخالف والنكير عليه ولان الأدلة لا تناقض ولا تختلف فكيف يجوز أن يرجع كل واحد إلى دليل مع اختلاف أقوالهم فيقال لهم قد ادعيتم في معنى الرأي ما لا يصح لان الرأي إذا اطلق تناول كل ما كان متوصلا إليه بضرب من الاستدلال الذي يصح فيه اعتراض الشبهات واختلاف أهل الاسلام لا يختص ما قيل قياسا دون ما قيل من جهة اعتبار الظواهر والاستدلال بها الا ترى انهم يقولون فلان يرى العدل وفلان يرى القدر وفلان يرى الارجاء وفلان يرى القطع على عقاب الفساق وان كان ذلك متوصلا إليه بالأدلة الموجبة للعلم وكذلك يقولون ان ابا حنيفة يرى الوضوء بنبيذ التمر وان ذلك رأيه كما يقال ان ذلك مذهبه وان كان لا يرجع في ذلك إلى قياس واجتهاد (ويقال) أيضا ان القضاء بالشاهد واليمين رأى الشافعي ومالكي وان كان مرجعهما فيه إلى الخبر وان الأقراء التي تعتبر في العدة على أبي حنيفة الحيض وعلى رأى الشافعي وغيره الأطهار وان كان رجوع كل واحد منهما في ذلك إلى ضرب من الاستدلال يخالف القياس وإذا كان معنى الرأي والمستفاد به المذهب والاعتقاد على ما ذكرناه لم يكن في إضافة الصحابة أقوالها إلى الرأي لأدلة على ما توهمه خصوصا من القياس لأنهم لم ينصوا على ان الرأي الذي راؤه هو الصادر عن القياس دون غيره وإذا لم ينصوا والقول محتمل لما يقولونه لم يكن للخصم فيه دلالة فان قالوا ان كان القول في الرأي على ما ذكرتم فلم لا يقال ان المسلمين يرون التمسك بالصلاة والصوم وما أشبه ذلك من الأمور المعلومة قلنا انما لا يقال ذلك لما قدمناه من ان لفظ الرأي يفيد الأمور المعلومة من الطرق التي يصح أن يعترضها الشبهات ويختلف فيها أهل القبلة ولهذا لا يضيفون الأمور المعلومة ضرورة من واجبات العقول إلى الرأي كقبح الظلم ووجوب الانصاف ورد الوديعة ولا يضيفون أيضا إليه العلم بدعاء الرسول (ع) لامته إلى صلوات خمس وصوم شهر بعينه لأنه معلوم ضرورة أو باستدلال لا يدخل فيه شبهة وكذلك أيضا لا يضيفون إليه ساير الأمور المعلومة بالأدلة التي لا يختلف المسلمون فيها كوجوب التمسك بالصلاة والصوم والعلم بنبوة الرسول صلى الله عليه وآله وصدق دعوته وقد بينا انهم يطلقون الرأي في القول بالعدول والقدر وغير ذلك فان قالوا انما صح ان يقول العدلي فلان يرى القدر ويقول القدري وفلان يرى العدل لان كل واحد منهما ينسب صاحبه إلى القول بغير علم وان اجتهد فشبه بالقول بالرأي الذي هو القياس قيل لهم هذا الاطلاق الذي حكيناه ليس يختص بواحد دون اخر بل العدلي يقول في نفسه وفيمن يقول بقوله انه يرى العدل وكذلك القدر والارجاء وسائر ما حكيناه من المذاهب على ان العدلي لا يرى ان القدري قايل بالقدر الا عن تقليد أو شبهة وليس يرى انه قايل عن اجتهاد يقتضى غلبة الظن حتى يطلق عليه لفظ الرأي المختص عندهم بالمذاهب الحاصلة من طريق القياس فان قالوا
(١٠٢)