على انه (ع) اخبر ان الحج يجرى مجرى الدين في وجوب القضاء وكذلك ما نبه عليه في باب القبلة والمولود الأسود ولم يذكر لأي سبب جرى مجراه وما العلة فيه وهل ظاهر نص أوجب ذلك أو طريقه من القياس وإذا كان الامر متحملا لم يجز القطع على أحد الوجهين بغير دليل على ان اسم الدين يقع على الحج كوقوعه على المال وإذا كان كذلك دخل في قوله تعالى من بعد وصيته (وصية) يوصون بها أو دين وهذا القدر كاف من الكلام في هذه الاخبار وبطلان التعلق بها فان الاكثار في تأويلاتها لا فايدة فيه وقد أثبت في هذه المسألة أكثر ألفاظ المسألة التي ذكرها سيدنا المرتضى رحمه الله في ابطال القياس لأنها سديدة في هذا الباب وأضفت إلى ذلك مواضع لم يذكرها وحذفت أشياء يستغنى عن ايرادها وفي القدر الذي أوردناه كفاية وتنبيه على كل ما يتعلق به في هذا الباب الكلام في الاجتهاد اعلم ان كل امر لا يجوز تغيره عما هو عليه من وجوب إلى حظر أو من حسن إلى قبح فلا خلاف بين أهل العلم المحصلين ان الاجتهاد في ذلك لا يختلف وان الحق في واحد وان من خالفه ضال فاسق وربما كان كافرا وذلك نحو القول بأن العالم قديم أو محدث وإذا كان محدثا هل له صانع أم لا والكلام في صفات الصانع وتوحيده وعدله والكلام في النبوة والإمامة وغير ذلك وكذلك الامام في ان الظلم والعبث والكذب قبيح على كل حال وان شكر المنعم ورد الوديعة والانصاف حسن على كل حال وما يجرى مجرى ذلك وانما قالوا ذلك لان هذه الأشياء لا يصح تغيرها في نفسها ولا خروجها عن صفتها التي هي عليها الا ترى ان العالم إذا ثبت انه محدث فاعتقاد من اعتقد انه قديم لا يكون الا جهلا والجهل لا يكون الا قبيحا وكذلك إذا ثبت ان له صانعا فاعتقاد من اعتقد ان ليس له صانع لا يكون الا جهلا وكذلك القول في صفاته وتوحيده وعدله وكذلك إذا ثبت ان النبي صلى الله عليه وآله صادق فاعتقاد من اعتقد كذبه لا يكون الا جهلا وكذلك المسائل الباقية وحكى عن قوم شذاذ لا يعتد بأقوالهم انهم قالوا ان كل مجتهد فيها مصيب وقولهم باطل بما قلناه واما ما يصح تغييره في نفسه وخروجه من الحسن إلى القبح ومن الخطر إلى الإباحة فلا خلاف بين أهل العلم انه كان يجوز أن تختلف المصلحة في ذلك فما يكون حسنا من زيد يكون قبيحا من عمرو وما يقبح من زيد في حال بعينها يحسن منه في حالة أخرى ويختلف ذلك بحسب اختلاف أحوالهم وبحسب اجتهادهم وانما قالوا ذلك لان هذه الأشياء تابعة للمصالح والالطاف وما هذا حكمه فلا يمتنع ان يتغير الحال فيه ولهذه العلة جاز النسخ ونقل المكلفين عما كانوا عليه إلى خلافه بحسب ما تقتضيه مصالحهم الا أن مع تجويز ذلك في العقل هل ثبت ذلك في الشرع أم لا فقد اختلف العلماء في ذلك فذهب أكثر المتكلمين والفقهاء إلى ان كل مجتهد مصيب في اجتهاده وفي الحكم وهو مذهب أبي على (اي فيما عدا ما فيه ظاهر قران أو خبر متواتر كما سيصرح به بقوله واعلم الخ) وأبي هاشم وأبي الحسن و أكثر المتكلمين واليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه فيما حكاه أبو الحسن عنهم وقد حكى غيره من العلماء عن أبي حنيفة وذهب الأصم وبشر المريسي إلى ان الحق في واحد من ذلك وهو ما يقولون به وان ما عداه خطأ حتى قال الأصم ان حكم الحاكم ينقض به ويقولون ان المخطئ غير معذور في ذلك الا أن يكون خطاؤه صغيرا وان سبيل ذلك سبيل الخطاء في أصول الديانات وذهب أهل الظاهر فيما عدا القياس من الاستدلال وغيره إلى ان الحق من ذلك
(١١٣)