كيف يصح ان ينازعوا في اختصاص الرأي بما ذكرناه ومعلوم ان القائل إذا قال هذا مذهب أهل الرأي لم يفهم عنه الا القياس دون غيره قيل هذا تعارف حادث في أهل القياس لأنه حدث الاختلاف بين الأمة في القياس فنفاه قوم وأثبته آخرون غلب على مثبتيه الإضافة إلى الرأي ومعلوم ان هذا التعارف لم يكن في زمن الصحابة فكيف يحمل خطابهم عليه على انه ليس معنا عن أحد من الصحابة انه قال انا من أهل الرأي وأكثر ما رووه قولهم رأينا كذا وكان رائي ورأى فلان كذا وليس يمتنع أن يكون في بعض تصرف اللفظة من التعارف ما ليس هو في جميع تصرفها ويكون الإضافة إلى الرأي قد غلب فيها ما ذكروه وان لم يغلب في قولهم رأيت كذا وكان كذا من رأي هذا مما لا يمكن دفعه فإنه لا شبهة على أحد في ان قولهم فلان من أهل القياس مجرى قولهم رأى فلان كذا وكان رأى فلان أن يقول وكذا وان الثاني لا تعارف فيه يخصصه وان كان في الأول وإذا صح ما ذكرناه لم يمتنع أن يقول أمير المؤمنين (ع) كان رائي ورأى عمر الا يبعن أي مذهبي وما أفتى به وكذلك قول أبي بكر أقول فيها برائي أي ما اعتقده وأداني الاستدلال إليه وكذلك قول عمر اقضي فيها برائي فان قالوا لو كان الامر على ما ذكرتم فلم قالوا ان كان صوابا فمن الله وان كان خطاء فمنى ومن الشيطان والأدلة والنصوص لا يكون فيها خطاء قيل قد يخطى المحتج بالكتاب والسنة والمستدل بادلتها بان يضع الاستدلال في غير موضعه مثلا (مثلان خ ر) يقدم مؤخرا أو يؤخر مقدما أو يخص عاما أو يعم خاصا أو يتمسك بمنسوخ أو يعمل على ما هناك أولى منه فيكون الخطاء منه أو من الشيطان فالكتاب والسنة وان لم يكن فيهما خطاء فالمستدل بهما قد يخطى من حيث قلنا على انا إذا تأملنا المسائل التي قالوا فيها بما قالوا وأضافوه إلى رأيهم وجدنا جميعها لها مخرجا من أدلة النصوص فالذاهب إليها متعلق بغير القياس اما بيع أم الولد فيمكن أن يعول من منع منه على ما روى عنه (ع) في مارية القبطية لما ولدت إبراهيم اعتقها ولدها ومن ذهب إلى جواز بيعها أمكنه التعلق بأشياء منها ان أصل الملك جواز التصرف والولادة غير مزيلة للملك بدلالة ان لسيدها وطؤها بعد الولادة من غير ملك ثان ولا عقد نكاح وذلك يقتضى بقاء السبب المبيح للوطئ وهو الملك ومنها انه لا خلاف ان عتقها بعد الولادة جائز ولو كان الملك زائلا لما جاز العتق ومنها قوله تعالى وأحل الله البيع ويتعلق بعمومه في كل موضع إلى ما اخرجه الدليل فلعل من أجاز البيع في الصدر الأول تعلق ببعض ما أشرنا إليه واعتمده ومن تأمل احتجاج أمير المؤمنين (ع) في بيع أمهات الولد وجده مخالفا لطريقة القياس لان المروى عنه (ع) انه قال سبق كتاب الله بجواز بيعها فأضاف جواز البيع إلى الكتاب دون غيره واما قول أبى بكر وقد سئل عن الكلالة أقول فيها برائي فان كان حقا فمن الله وان كان خطاء فمنى هو ما عدا الوالد والولد فليس يجوز أن يكون الرأي الذي ذكره هو القياس لان السؤال وقع عن معنى اسم والأسماء لا مدخل للقياس فيها وانما المرجع فيها إلى المواضعة
(١٠٣)