من القرآن فعلم ان المعتمد ما قدمناه وإذا ثبت ان الامر على الفور فمتى لم يفعله في الثاني احتاج إلى دليل اخر في وجوبه عليه في الثالث على ما بيناه فيما تقدم وفى ذلك بطلان مذهب من قال ان بالامر الأول يلزمه الفعل في الثالث والرابع إلى ان يحصل الفعل واستدل من قال ان الامر يقتضى التراخي بان قال ان الامر انما يقتضى كون الفعل واجبا وليس للأوقات ذكر في اللفظ وليس بعضها بان يوجب ايقاعه فيه بأولى من بعض فينبغي ان يكون مخيرا فيه لأنه لو أراد ايقاعه في بعضها لبينه فمتى لم يبينه دل على انه مخير في ذلك كله والجواب عن ذلك ان يقال ان الأوقات وان لم تكن مذكورة في اللفظ فوقت الفعل هو الثاني وهو معلوم بالأدلة التي ذكرناها فيجب المصير إلى مقتضاها وقولهم انه لو أراد ايقاع الفعل في الثاني لبينه فعندنا انه بينه بالأدلة التي قدمناها ثم لأصحاب الوقف ان يقولوا ولو أراد التراخي لبينه فيجب ان يتوقف في ذلك وينتظر البيان ومتى اعتمد ذلك أصحاب الوقف كان الكلام عليهم ما تقدم من ان الدليل قد دل على انه يقتضى الفعل في الثاني وان اعتمدوا على انهم وجدوا الامر مستعملة في الفور والتراخي فقد بينا ان نفس الاستعمال لا يدل على ان ما استعملوه حقيقة وذلك مجاز عندنا إذا استعمل على ما قالوه وهذا جملة كافية في هذا الباب فصل في الامر الوقت ما حكمه لا يجوز ان يرد الامر من الحكيم بعبارة معلقة بوقت يقصر الوقت عن أدائها فيه فان لم يقصر عن ذلك نظر فيه فان كان مما يستغرق أداء العبارة فيه وجب أدائه فيه بلا خلاف وذلك نحو الصوم المعلق بالنهار فإنه يجب أداؤه في جميعه وان كانت العبادة يمكن أدائها في بعضه فاختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال الوجوب متعلق بأول الوقت ومنهم من قال يجب أداؤه في اخره ومنهم من جعله مخيرا بين أدائه في أوله واخره وفيما بين ذلك فان اخره إلى آخره تضيق عليه الأداء فيه ثم اختلفوا فقال قوم منهم يجب عليه الفعل في أوله فمتى لم يفعل وجب عليه العزم على فعله في اخره ومنهم من قال هو مخير في الأوقات كلها ولا يجب عليه العزم ومن العلماء من وقف في ذلك وانتظر البيان وقال كل ذلك جايز والذي يقوى في نفسي انه إذا وردت العبادة معلقة بوقت له أول واخر من جهة اللفظ فإنه يكون مخيرا بين أدائها في أوله واخره فان لم يفصل في أوله وجب عليه العزم على أدائه في اخره ثم يتضيق في اخر الوقت وذلك نحو ان يقول الله تعالى تصدق اليوم بدرهم أو صم في هذا الشهر يوما فإنه يكون مخيرا بين ان يتصدق في أول النهار
(٨٨)