وقد علمنا انه الخصوص فلولا ان ذلك كان حسنا والا لم يحسن منه ذلك وليس لاحد أن يقول كما لا يحسن منه الاخبار الا على القطع والامر الا على الشروط في بعض الوجوه وحسن ذلك فينا فكذلك لا يمتنع استعمال العام في الخاص فينا وان لم يحسن فيه تعالى وذلك ان هذا أولا باطل بما قلناه من وجودنا مواضع كثيرة من القران ظاهرها العموم وقد علمنا انه أراد بها الخصوص بل أكثر القران كذلك ثم انه انما حسن منا الاخبار والأوامر بالشروط لما لم يكن لنا طريق إلى العلم بما يمنع من الشروط ولم يحسن ذلك في القديم تعالى العالم بالعواقب ولذلك لا يحسن منا ان يخبر عما يعلمه بشرط لما كان العلم حاصلا لنا وهذه جملة كافية في هذا الباب فصل في ان العموم إذ خص كان مجازا وما به يعلم ذلك وحصر أدلته ذهب كثير من أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة إلى ان العموم مع الدليل الذي خص به حقيقة فيما عدا ما خص منه سواء كان ذلك الدليل لفظا متصلا أو منفصلا أو غير اللفظ وذهب أبو عبد الله البصري إلى أنه ان كان ذلك الدليل لفظا متصلا من استثناء وغيره كان حقيقة فاما إذا لم يكن متصلا فإنه يصير مجازا وذهب أبو علي وأبو هاشم ومن تبعهما وأكثر المتكلمين وباقي الفقهاء إلى أنه يصير مجازا بأي دليل خص وهو الصحيح والذي يدل على ذلك انا قد بينا في هذا الكتاب ان حقيقة المجاز ان يستعمل اللفظ في غير ما وضع له فإذا ثبت ذلك وقد دللنا على ان للعموم صفة مختصة تفيد الاستغراق فينبغي إذا استعملت فيما دون الاستغراق أن يكون مجازا لثبوت الحقيقة فيه وهذا يبين أنه يصير مجازا بأي دليل خص سواء كان لفظا متصلا أو منفصلا أو غير لفظ وليس لاحد أن يقول ان العموم إذا خص فلم يتناول غير ما كان يتناوله بل ما يتناوله في حال الاستغراق فكيف يكون مجازا وذلك انا لم نقل انه يصير مجازا لتناوله ما تناوله وانما صار مجازا لأنه لم تتناول ما زاد عليه من الاستغراق فصار في ذلك كأنه استعمل في غير ما وضع له فان قيل ليس الكلام إذا انهم بعضه إلى بعض تغير معناه ولا يكون ذلك مجازا وذلك بنحو الخبر إذا انضم إلى المبتداء والحروف الداخلة على الجمل من حرف شرط أو استفهام أو نفى أو تمنى وما أشبه ذلك فقولوا في العموم أيضا مثل ذلك إذا خص انه لا يصير مجازا بما قارنه من الدليل الذي اقتضى تخصيصه
(١٢٠)