ليس لها أنيس وسكت لم يفهم من ذلك الا أنه ليس بها انسان ولم يفهم من ذلك انه ليس بها بهائم فكذلك إذا قال الا اليعافير والا العيس يجب أن يكون مجازا وانما حسن عندهم هذا النوع من الاستثناء لأنه فيه معنى من الكلام الأول لأنه إذا قال ما في الدار أحد أفاد انه ليس فيها أحد ثابت فلما كان الوتد ثابتا في الدار حسن أن يستثنى من الثبوت لا من لفظ أحد وكذلك قالوا في قولهم وبلدة ليس لها أنيس انه نفى كون الناس مقيمين فيها فلما كانت اليعافير والعيس مقيمة فيها حسن أن يستثنيها من الإقامة وقال قوم انه لم يرد بالأنيس الناس وانما أراد ما يونس به ويسكن إليه ولما كانت اليعافير والعيس مما يسكن إليها على بعض الوجوه ويستأنس بها حسن أن يستثنى منها وعلى هذا الوجه فالاستثناء ما وقع الا من جنسه واما قوله تعالى فسجدوا الملائكة كلهم أجمعون الا إبليس فقد قيل فيه وجهان أحدهما ان إبليس كان من جملة الملائكة الا انه عصى بترك السجود فحسن أن يستثنيه من جملة الملائكة هذا على مذهب من جوز على جنس الملائكة المعاصي ومن لم يجوز ذلك عليهم قال انما الاستثناء لأنه كان أيضا مأمورا بالسجود كما انهم كانوا مأمورين كذلك واستثناه من جملة المأمورين جميعا لا من جملة الملائكة ويكون ذلك حملا على المعنى الوجهان قريبان فاما قوله وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ فقد قيل فيه ان المؤمن لا يقتله الا خطأ لأنه لو قتله متعمدا لم يكن مؤمنا لان الفسق يخرج من اطلاق الايمان عليه ومن قال الفسق لا يخرج من الايمان قال قوله الا خطاء معناه بمعنى لكنه ان قتل خطأ كان حكمه كذا وكذا وكذلك قوله لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم منقطع عن الأول لان من رحم معصوم وهو ليس بمعصوم يدخل في الكلام الأول فاما من خالف في ذلك وحمل الاستثناء على الاقرار وقال كما يحسن أن يستثنى في الاقرار من غير جنس ما أقر به فكذلك في الاخبار وغيرها فقوله يبطل لان هذا طريقة القياس وليس يجوز أن يثبت اللغة واحكام ألفاظها بالقياس ثم الصحيح في الاقرار ما نقوله في الاستثناء انه لا يحسن أن يستثنى فيه من غير جنس فان دل دليل من اجماع وغيره على خلافه حكمنا بجوازه وعلمنا انه استثناء منقطع كما قلناه فيما تقدم من الالفاظ فاما إذا تعقب جملا كثيرة فإلى أيها ترجع فسنذكره في باب مفرد انشاء الله تعالى وحده فصل في ان الاستثناء إذا تعقب جملا كثيرة
(١٢٥)