أبى تخصيص العموم بالقياس عقلا فيقال له إذا جاز العمل به فيما يقتضى العقل خلافه جاز العمل به فيما يقتضى العموم خلافه فاما من جوز ذلك وانما امتنع من القول به لأنه لم يثبت ورود العبارة به فلا يمكن أن يعتمد ذلك في هذا الباب بل يحتاج إلى أن يستعمل (يشغل) بالدلالة على ثبوت ما كان جائزا لأنه ليس كل ما كان جائزا في العقل ثبت العمل به على كل حال فعلم بذلك سقوط هذا الاستدلال وفي الناس من اعترض هذا الدليل فقال انا لا نعمل بالقياس إذا اقتضى العقل خلافه بل انما يعمل به فيما يجوزه العقل دون ما يقتضى قبحه أو حسنه وهذا ليس بشئ لان غرض القوم بذلك ان العقل إذا كان يقتضى تحليل شئ أو تحريمه ثم ثبت بالقياس في الشرع تحريم ما كان مباحا أو إباحة ما كان محظورا فقد عملوا بخلاف ما كان يقتضيه العقل ولا يمكن أن يقال ان دليل العقل يقتضى إباحة شئ أو خطره بشرط أن لا يرد الشرع بخلافه فالقياس إذا استعمل في خلافه تبين انه ان العقل لم يقتضى ما أدى القياس إلى خلافه وليس كذلك العموم لأنه اقتضى تحريم الشئ مطلقا بلا شرط فيه فلو قيل القياس في خلافه لكان فيه اعتراض به عليه وهذا لا يجوز لان لهم ان يقولوا الحال فيهما واحد لان دليل العقل يقتضي تحليل الأنبذة ما لم يقتضى دليل شرعي تحريمه والعموم أيضا يقتضى ذلك ما لم يحصل دليل سمعي على خلافه فهما في هذا الباب من جهة المعنى سواء وانما الخلاف بينهما ان العموم يدل على ما يدل عليه لفظا وليس كذلك دليل العقل وهذا لا يقتضى الفرق بينهما من جهة المعنى فصل في تخصيص العموم بأقاويل الصحابة وبالعادات وبقول الراوي فالقول إذا ظهر بين الصحابة واتفقوا كلهم انه يخص العموم فلا خلاف بين أهل العلم انه يخص به العموم لان ذلك اجماع وقد بينا ان الاجماع يخص به العموم فاما إذا ظهر القول ولم يعرف له مخالف فمن جعله اجماعا أو في حكم الاجماع خص أيضا العموم ومن لم يجعله اجماعا من حيث جواز أن يكون الساكت لو استفتى لأفتى بخلافه اجرى ذلك مجرى القول المختلف فيه والقول المختلف فيه بين الصحابة اختلفوا في جواز تخصيص العموم فذهب أبو على إلى أنه يجوز الاخذ بقول بعضهم وان خالفه غيره فيه قال لان بعضهم كان يرجع إلى قول بعض من غير حجة وهو المحكى عن محمد بن الحسن لأنه حكى عنه انه قال ما اجمعوا عليه واختلفوا فيه جاز القياس
(١٤٢)