ووجوده مبيحا لذلك ونحو قوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر إلى قوله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فجعل اعطاء الجزية حدا يجب عنده الكف عن قتالهم وزواله شرطا في ثبوت القتل وكذلك قوله وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فجعل طلوع الفجر حدا يجب عنه الكف عن الطعام والشراب لمن أراد الصوم وعدمه مبيحا لذلك ونظائر ذلك كثيرة وقد يجعل للحكم الواحد غايتان وأكثر وقد يجعل غاية واحدة لاحكام كثيرة كما قلناه في الشرط سواء والشرط والغاية جميعا يدخلان في جميع احكام الافعال من واجب وندب ومباح فينبغي أن يجرى الكلام على ما قلناه ان شاء الله تعالى فصل في ذكر الكلام المطلق والمقيد التقييد يخص العام ويخص المطلق الذي ليس بعام فمثاله تخصيصه للعام قول القائل من دخل دارى راكبا أكرمته ولقيت الرجل الاشراف فقوله راكبا خص لفظة من لأنه لو لم يذكره لوجب عليه اكرام كل من دخل داره سواء كان راكبا أو ماشيا وكذلك لو لم يقيد لفظة الرجال بالاشراف لكان متناولا لجميع الرجال سواء كانوا أشرافا أو غير اشراف وأما تخصيصه المطلق وان لم يكن عاما مثل قوله تعالى فتحرير رقبة مؤمنة فقوله مؤمنة قد خص رقبة لأنه لو لم يكن يذكر ذلك لكان يجوز تحرير أي رقبة سواء كانت مؤمنة أو غير مؤمنة وكذلك قوله شهرين متتابعين لأنه لو لم يذكر ذلك لكان يجوز متتابعين وغير متتابعين والتقييد لا يخلوا من أن يكون متصلا بالمطلق أو منفصلا منه فما كان متصلا فلا خلاف في أنه يخص المطلق وإذا كان منفصلا فلا يخلو من أن يكون ما اطلق في موضع اخر بعينه الذي قيد في موضع اخر أو غيره فان كان هو هو بعينه فلا خلاف أيضا في انه يجب تخصيصه به وان كان غيره فلا يخلو من أن يكون من جنسه أو من غير جنسه فلا خلاف أيضا في أنه لا يجب تخصيصه به وأنه ينبغي أن يحمل المطلق على اطلاقه ويحمل المقيد على تقييده وبيان ذلك انه (ان خ ل) يرد تحرير الرقبة مقيدا بالايمان في كفارة قتل الخطأ ويرد مطلقا في باب النذر أو العتق المتبرع به فان كل واحد منهما ينبغي أن يحمل على ظاهره على ما بيناه وان كان من جنسه فلا يخلو من أن يكون من جنسه في موضع اخر مقيدا فحسب أو يكون في موضع مقيدا وفي موضع اخر مطلقا فان وجد من جنسه مطلقا ومقيدا في موضعين فلا خلاف أيضا في أنه لا ينبغي حمله على أحدهما لأنه ليس بأن يقيد لأجل ما قيد من جنسه
(١٢٩)