على انه يقتضى الفور لأجلها ذم وذلك ان القرينة المدعاة غيره معقولة فيحتاجون إلى ان يبينوها وأيضا فإنه يذمه من لا يعرف القرينة أصلا فعلم انه انما يذمه لأنه عقل من مقتضى الامر الفور دون التراخي ومما يدل أيضا على ان الفور انه لا يخرج من ان يكون المأمور يجوز له تأخير الفعل لا إلى غاية أو إلى غاية فان جاز له تأخيره إبدالا إلى غاية ففي ذلك اخراج له من كونه واجبا وان كان يجوز له تأخره إلى غاية كان ينبغي ان يكون تلك الغاية معلومة وكانت تكون مثل الأوامر الموقتة ومتى لم يفعل ذلك كان مكلفا لايقاع الفعل في وقت لا طريق له إلى معرفته وذلك تكليف مدد بما لا يطاق فان ذكروا انه يكون مخيرا بين الفعل والعزم لا إلى غاية كان الكلام عليهم ما تقدم من ان في ذلك افساد التكليف وان يقتصر المكلف من فعل الواجبات على العزم فحسب فلا يفعل شيئا منها و ذلك خلاف المعقول والدين جميعا فاما من قال هربا من ذلك انه يتعين الوقت عليه إذا غلب في ظنه انه متى لم يفعل اخترم أو عجز عنه فإنه يقال له واي امارة توجب هذا الظن المدعى و ذلك لا سبيل له إليه على انه إذا كان مخيرا بين الفعل والعزم فلو غلب في ظنه فوت الفعل لم يغلب في ظنه فوت العزم فينبغي ان يجوز له الاقتصار عليه وفيمن وافقنا على هذا المذهب من استدل على ذلك بقوله تعه وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وبقوله فاستبقوا الخيرات وذلك يضعف الاحتجاج به لان الظاهر من الآية انه امر بالتوبة لأنها هي التي يحصل عندها الغفران وذلك متفق عليه انه على الفور فاما الفعل الواجب الذي لم يتقدمه غيره من المعاصي حتى يغفر فكيف يحمل عليه فان حمل على ان المراد بذلك استحقاق الثواب يصير الآية مجملة لأنه يستحق الثواب بالواجب والندب وليس الندب واجبا أصلا ومنهم من استدل على ذلك بان قال ان الامر يقتضى ايقاع الفعل في وقت من جهة الحكمة وان لم يكن مذكورا في اللفظ فأشبه ما يقتضيه العقود والايقاعات من الطلاق والعتاق فكما ان ذلك كله على الفور وجب مثله في الامر وهذا لا يصح الاستدلال به من وجهين أحدهما ان هذا قياس ونحن لا نقول بالقياس أصلا فكيف يمكننا ان نعتمد على ذلك ومن قال بالقياس لا يمكنه أيضا ان يعتمد هذه الطريقة لان القياس يوجب غلبة الظن وهذه المسألة طريقها العلم فلا يمكن الاعتماد فيها على القياس ولو جاز استعمال القياس في ذلك لكان هذا الاستدلال قرينة اقترنت إلى ظاهر الامر والقوم لا يمتنعون من ذلك وانما الخلاف في الأوامر المطلقة الخالية
(٨٧)