فاما اقتضاء للنهي من جهة المعنى فقد بينا ما عندنا في ذلك وفيه كافية وذلك ينبئ على ان الامر يقتضى الايجاب وقد ذللنا عليه فيما مضى ونبين أيضا صحة ما قلنا ان الامر بالشئ لو كان نهيا عن ضده لجاز لقايل ان يقول ان العلم بالشئ جهل بضده وذلك جهالة ولا يلزمنا مثل ذلك فيما اخترناه من دلالته على قبيح تركه لأنه لا يمتنع ان يدل الشئ على حسن امر وقبح شئ اخر من وجهين وليس ذلك بمتضاد ويستحيل ان يكون العلم جهلا لان الصفتين متضادتان فبان الفرق فاما شبهة من خالف في ذلك فهو ان قال ان الامر يقتضى إرادة المأمور به وإرادة الشئ كراهة ضده والحكمة تقتضي الا يريد الشئ الا ويكره ضده فان ذلك يسقط بما قلناه من ان الامر لا يدل على إرادة المأمور به ولو دل لم يكن إرادة الشئ كراهة ضده لان إرادة النوافل حاصلة وليست بكراهة لضدها ومتى بنى على ان الامر يقتضى الايجاب وإذا كان صادرا من حكيم دل على وجوبه وان ما عداه قبيح إذا لم يدل على انه واجب مخير فيه مثله فهو هو المعتمد عليه على ما بيناه فصل في ان الامر بالشئ يقتضى الفعل مرة أو يقتضى التكرار ذهب أكثر المتكلمين والفقهاء إلى ان الامر بالشئ لا يقتضى بظاهره أكثر من فعل مرة ويحتاج في زيادته إلى دليل اخر وهو المحكى عن أبى الحسن والظاهر من قول الشافعي وقال قوم شذاذ ان الامر بظاهره يقتضى التكرار وذهب قوم إلى الواقف في ذلك وقالوا نقطع على المرة الواحدة مراد وما زاد عليه فمشكوك فيه متوقف فيه فالذي اختاره المذهب الأول والذي يدل على ذلك ان الامر في الشاهد على وتيرة واحدة إذا سبرناه يقتضى الفعل مرة واحدة ولا يفهم من ظاهره الا ذلك الا ترى ان من قال لغلامه اسقني ماء لا يعقل منه أكثر من مرة واحدة حتى انه لو كرر عليه الماء دفعه ثانية لعدوه سفيها وليس لاحد ان يقول ان ذلك عقل بشاهد الحال وبقرينة اقترنت إلى الامر دلت على المرة الواحدة وذلك ان ما ذكرناه يعقله من لا يعرف القرينة أصلا ولا يخطر بباله ثم القرينة تحتاج ان تكون معقولة وليس هناك قرينة تدل على ذلك فان قالوا القرينة انه يعلم استكفاؤه بشربة واحدة وما زاد عليها لا يحتاج إليه لان هذا لا طريق له إلى العلم به لأنه قد لا يكتفى بشربة واحدة ويحتاج في زيادتها إلى تجديد الامر فلو كان ذلك معقولا بالامر الأول لما احتاج إليه وإذا ثبت ذلك في الأوامر في الشاهد وجب ان يكون حكم أوامر الله تعالى ذلك الحكم ويدل على ذلك أيضا ان الامر لو اقتضى استغراق الأوقات
(٧٧)