يتقون (28) ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون (29) إنك ميت وإنهم ميتون (30) ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون (31) يقول تعالى " ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل " أي بينا للناس فيه بضرب الأمثال " لعلهم يتذكرون " فإن المثل يقرب المعنى إلى الأذهان كما قال تبارك وتعالى " ضرب لكم مثلا من أنفسكم " أي تعلمونه من أنفسكم وقال عز وجل " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " وقوله جل وعلا " قرآنا عربيا غير ذي عوج " أي هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس بل هو بيان ووضوح وبرهان وإنما جعله الله تعالى كذلك وأنزله بذلك " لعلهم يتقون " أي يحذرون ما فيه من الوعيد ويعملون بما فيه من الوعد ثم قال " ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون " أي يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم " ورجلا سلما " أي سالما " لرجل " أي خالصا لا يملكه أحد غيره " هل يستويان مثلا " أي لا يستوي هذا وهذا كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له فأين هذا من هذا؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما مجاهد وغير واحد: هذه الآية ضربت مثلا للمشرك والمخلص ولما كان هذا المثل ظاهرا بينا جليا قال " الحمد لله " أي على إقامة الحجة عليهم " بل أكثرهم لا يعلمون " أي فلهذا يشركون بالله وقوله تبارك وتعالى " إنك ميت وإنهم ميتون " هذه الآية من الآيات التي استشهد بها الصديق رضي الله عنه عند موت الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تحقق الناس موته مع قوله عز وجل " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " ومعنى هذه الآية أنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الآخرة وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله عز وجل فيفصل بينكم ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين ثم إن هذه الآية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله حدثنا محمد بن عبيد الله بن يزيد المقري ثنا سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي حاطب - يعني يحيى بن عبد الرحمن - عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال لما نزلت " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " قال الزبير رضي الله عنه: يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة؟ قال صلى الله عليه وسلم " نعم " قال رضي الله عنه إن الامر إذا لشديد. وكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان وعنده زيادة ولما نزلت " ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم " قال الزبير رضي الله عنه: أي رسول الله أي نعيم نسأل عنه وإنما نعيمنا الأسودان: التمر والماء؟ قال صلى الله عليه وسلم " أما إن ذلك سيكون " وقد روى هذه الزيادة الترمذي وابن ماجة من حديث سفيان به وقال الترمذي حسن وقال أحمد أيضا حدثنا ابن نمير ثنا محمد - يعني ابن عمرو - عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " قال الزبير رضي الله عنه: أي رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال صلى الله عليه وسلم " نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه " قال الزبير رضي الله عنه: والله إن الامر لشديد رواه الترمذي من حديث محمد بن عمرو به وقال حسن صحيح وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن أبي عياش عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول الخصمين يوم القيامة جاران " تفرد به أحمد وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا حسن بن موسى ثنا ابن