وكذا قال سعيد بن جبير وعامر والشعبي أن كل ماء في الأرض فأصله من السماء وقال سعيد بن جبير أصله من الثلج يعني أن الثلج يتراكم على الجبال فيسكن في قرارها فتنبع العيون من أسافلها وقوله تعالى " ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه " أي ثم يخرج بالماء النازل من السماء والنابع من الأرض زرعا مختلفا ألوانه أي أشكاله وطعومه وروائحه ومنافعه " ثم يهيج " أي بعد نضارته وشبابه يكتهل فتراه مصفرا قد خالطه اليبس " ثم يجعله حطاما " أي ثم يعود يابسا يتحطم " إن في ذلك لذكرى لاولي الألباب " أي الذين يتذكرون بهذا فيعتبرون إلى أن الدنيا هكذا تكون خضرة نضرة حسناء ثم تعود عجوزا شوهاء والشاب يعود شيخا هرما كبيرا ضعيفا وبعد ذلك كله الموت فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير وكثيرا ما يضرب الله تعالى مثل الحياة الدنيا بما ينزل الله من السماء من ماء وينبت به زروعا وثمارا ثم يكون بعد ذلك حطاما كما قال تعالى " واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا " وقوله تبارك وتعالى " أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه " أي هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد عن الحق كقوله عز وجل " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " ولهذا قال تعالى " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله " أي فلا تلين عند ذكره ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم " أولئك في ضلال مبين " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد (23) هذا مدح من الله عز وجل لكتابه القرآن العظيم المنزل على رسوله الكريم قال الله تعالى " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني " قال مجاهد يعني القرآن كله متشابه مثاني وقال قتادة: الآية تشبه الآية والحرف يشبه الحرف وقال الضحاك: مثاني ترديد القول ليفهموا عن ربهم تبارك وتعالى وقال عكرمة والحسن ثنى الله فيه القضاء زاد الحسن تكون السورة فيها آية وفي السورة الأخرى آية تشبهها قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:
مثاني مردد ردد موسى في القرآن وصالح وهود والأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أمكنة كثيرة وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما " مثاني " قال القرآن يشبه بعضه بعضا ويرد بعضه على بعض وقال بعض العلماء ويروى عن سفيان بن عينة معنى قوله تعالى " متشابها مثاني " إن سياقات القرآن تارة تكون في معنى واحد فهذان من المتشابه وتارة تكون بذكر الشئ وضده كذكر المؤمنين ثم الكافرين وكصفة الجنة ثم صفة النار وما أشبه هذا فهذا من المثاني كقوله تعالى " إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم " وكقوله عز وجل " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين - إلى أن قال - كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين " " هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب - إلى أن قال - هذا وإن للطاغين لشر مآب " ونحو هذا من السياقات فهذا كله من المثاني أي في معنيين اثنين وأما إذا كان السياق كله في معنى واحد يشبه بعضه بعضا فهو المتشابه وليس هذا من المتشابه المذكور في قوله تعالى " منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " ذاك معنى آخر. وقوله تعالى " تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " أي هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار المهيمن العزيز الغفار لما يفهمون منه من الوعد والوعيد والتخويف والتهديد تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف " ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه فهم مخالفون لغيرهم من الفجار من وجوه " أحدها " أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات " الثاني " أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا بأدب وخشية ورجاء ومحبة