وأن مع العسر يسرا " " قل حسبي الله " أي الله كافي " عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون " كما قال هود عليه الصلاة والسلام حين قال قومه " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ". وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ثنا عبد الله بن بكر السهمي ثنا محمد بن حاتم عن أبي المقدام مولى آل عثمان عن محمد بن كعب القرظي ثنا ابن عباس رضي الله عنهما رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله عز وجل أوثق منه بما في يديه ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل " وقوله تعالى " قل يا قوم اعملوا على مكانتكم " أي على طريقتكم وهذا تهديد ووعيد " إني عامل " أي على طريقتي ومنهجي " فسوف تعلمون " أي ستعلمون غب ذلك ووباله " من يأتيه عذاب يخزيه " أي في الدنيا " ويحل عليه عذاب مقيم " أي دائم ومستمر لا محيد عنه وذلك يوم القيامة أعاذنا الله منها.
أنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل (41) الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن ذلك لايات لقوم يتفكرون (42) يقول تعالى مخاطبا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم " إنا أنزلنا عليك الكتاب " يعني القرآن " للناس بالحق " أي لجميع الخلق من الإنس والجن لتنذرهم به " فمن اهتدى فلنفسه " أي فإنما يعود نفع ذلك إلى نفسه " ومن ضل فإنما يضل عليها " أي إنما يرجع وبال ذلك على نفسه " وما أنت عليهم بوكيل " أي بموكل أن يهتدوا " إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل " " إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ". ثم قال تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان والوفاة الصغرى عند المنام كما قال تبارك وتعالى " وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون * وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون " فذكر الوفاتين الصغرى ثم الكبرى وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى ولهذا قال تبارك وتعالى " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى " فيه دلالة على أنها تجتمع في الملا الاعلى كما ورد بذلك الحديث المرفوع الذي رواه ابن منده وغيره وفي صحيحي البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " وقال بعض السلف يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الاحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله تعالى أن تتعارف " فيمسك التي قضى عليها الموت " التي قد ماتت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى قال السدي إلى بقية أجلها وقال ابن عباس رضي الله عنهما يمسك أنفس الأموات ويرسل أنفس الاحياء ولا يغلط " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".