من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته " فأنزل الله عز وجل " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " أي عيسى وعزير ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله عز وجل فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله ونزل فيما يذكر من أنهم يعبدون الملائكة وأنهم بنات الله " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون " الآيات ونزل فيما يذكر من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام وأنه يعبد من دون الله وعجب الوليد ومن حضر من حجته وخصومته " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون " أي يصدون عن أمرك بذلك من قوله. ثم ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام فقال " إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل * ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون * وإنه لعلم للساعة " أي ما وضع على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام فكفى به دليلا على علم الساعة يقول " فلا تمترن بهل واتبعون هذا صراط مستقيم " وذكر ابن جرير من رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون " قال يعني قريشا لما قيل لهم " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون " إلى آخر الآيات فقالت له قريش فما ابن مريم؟
قال " ذاك عبد الله ورسوله " فقالوا والله ما يريد هذا إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم ربا فقال الله عز وجل " ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون " وقال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا شيبان عن عاصم بن أبي النجود عن أبي رزين عن أبي يحيى مولى ابن عقيل الأنصاري قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجل قط ولا أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها أم لم يفطنوا لها فيسألوا عنها قال ثم طفق يحدثنا فلما قام تلاومنا أن لا نكون سألناه عنها فقلت أنا لها إذا راح غدا فلما راح الغد قلت يا ابن عباس ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط فلا يدري أعلمها الناس أم لم يفطنوا لها فقلت أخبرني عنها وعن اللاتي قرأت قبلها قال رضي الله عنه نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش " يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير " وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام وما تقول في محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألست تزعم أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان نبيا وعبد ا من عباد الله صالحا فإن كنت صادقا كان آلهتهم كما تقولون قال فأنزل الله عز وجل " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون " قلت ما يصدون؟ قال يضحكون " وإنه لعلم للساعة " قال هو خروج عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قبل يوم القيامة وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن يعقوب الدمشقي حدثنا آدم حدثنا شيبان عن عاصم بن أبي النجود عن أبي أحمد مولى الأنصار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير " فقالوا له ألست تزعم أن عيسى كان نبيا وعبد ا من عباد الله صالحا فقد كان يعبد من دون الله؟ فأنزل الله عز وجل " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون " وقال مجاهد في قوله تعالى " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون " قالت قريش إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى عليه السلام ونحو هذا قال قتادة. وقوله " وقالوا أآلهتنا خير أم هو " قال قتادة يقولون آلهتنا خير منه وقال قتادة قرأ ابن مسعود رضي الله عنه وقولوا أآلهتنا خير أم هذا يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم. وقوله تبارك وتعالى " ما ضربوه لك إلا جدلا " أي مراء وهم يعلمون أنه ليس بوارد على الآية لأنها لما لا يعقل وهي قوله تعالى " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " ثم هي خطاب لقريش وهم إنما كانوا يعبدون الأصنام والأنداد ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه فتعين أن مقالتهم إنما كانت جدلا منهم ليسوا يعتقدون صحتها وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى حدثنا ابن نمير حدثنا حجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أورثوا الجدل " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم