وهذا القول فيه نظر لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره إن كان هذا فأنا ممتنع منه؟ هذا فيه نظر فليتأمل اللهم إلا أن يقال أن إن ليست شرطا وإنما هي نافية كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى " قل إن كان للرحمن ولد " يقول لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين وقال قتادة هي كلمة من كلام العرب " إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " أي إن ذلك لم يكن فلا ينبغي وقال أبو صخر " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " أي فأنا أول من عبده بأن لا ولد له وأول من وحده وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال مجاهد " فأنا أول العابدين " أي أول من عبده ووحده وكذبكم وقال البخاري " فأنا أول العابدين " الآنفين وهما لغتان رجل عابد وعبد والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ولكن هو ممتنع وقال السدي " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " يقول لو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولد ولكن لا ولد له وهو اختيار ابن جرير ورد قول من زعم أن إن نافية. ولهذا قال تعالى " سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون " أي تعالى وتقدس وتنزه خالق الأشياء عن أن يكون له ولد فإنه فرد أحد صمد لا نظير له ولا كف ء له فلا ولد له وقال تعالى " فذرهم يخوضوا " أي في جهلهم وضلالهم " ويلعبون " في دنياهم " حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون " وهو يوم القيامة أي فسوف يعلمون كيف يكون مصيرهم ومآلهم وحالهم في ذلك اليوم. وقوله تبارك وتعالى " وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله " أي هو إله من في السماء وإله من في الأرض يعبده أهلهما وكلهم خاضعون له أذلاء بين يديه " هو الحكيم العليم " وهذه الآية كقوله سبحانه وتعالى " وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون " أي هو المدعو الله في السماوات والأرض " وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما " أي هو خالقهما ومالكهما والمتصرف فيهما بلا مدافعة ولا ممانعة فسبحانه وتعالى عن الولد وتبارك أي استقر له السلامة من العيوب والنقائص لأنه الرب العلي العظيم المالك للأشياء الذي بيده أزمة الأمور نقضا وإبراما " وعنده علم الساعة " أي لا يجليها لوقتها إلا هو " وإليه ترجعون " أي فيجازي كلا بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر. ثم قال تعالى " ولا يملك الذين يدعون من دونه " أي من الأصنام والأوثان " الشفاعة " أي لا يقدرون على الشفاعة لهم " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " هذا استثناء منقطع أي لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له. ثم قال عز وجل " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون " أي ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره " من خلقهم ليقولن الله " أي هم يعترفون أنه الخالق للأشياء جميعها وحده لا شريك له في ذلك ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئا ولا يقدر على شئ فهم في ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل. ولهذا قال تعالى " فأنى يؤفكون " وقوله جل وعلا " وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " أي وقال محمد صلى الله عليه وسلم قيله أي شكا إلى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه فقال يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون كما أخبر تعالى في الآية الأخرى " وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " وهذا الذي قلناه هو قول ابن مسعود رضي الله عنه ومجاهد وقتادة وعليه فسر ابن جرير قال البخاري وقرأ عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه " وقال الرسول يا رب " وقال مجاهد في قوله " وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " قال يؤثر الله عز وجل قول محمد صلى الله عليه وسلم وقال قتادة هو قول نبيكم صلى الله عليه وسلم يشكو قومه إلى ربه عز وجل ثم حكى ابن جرير في قوله تعالى " وقيله يا رب " قراءتين إحداهما النصب ولها توجيهان أحدهما أنه معطوف على قوله تبارك وتعالى " نسمع سرهم ونجواهم " والثاني أن يقدر فعل وقال قيله والثانية الخفض وقيله عطفا على قوله " وعنده علم الساعة " وتقديره وعلم قيله. وقوله تعالى " فاصفح عنهم " أي المشركين " وقل سلام " أي لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السئ ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلا وقولا " فسوف يعلمون " هذا تهديد من الله تعالى لهم ولهذا أحل بهم بأسه الذي لا يرد وأعلى دينه وكلمته وشرع بعد ذلك
(١٤٧)