الانسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسيما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار (8) يقول تبارك وتعالى مخبرا عن نفسه تبارك وتعالى أنه الغني عما سواه من المخلوقات كما قال موسى عليه الصلاة والسلام " إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد " وفي صحيح مسلم " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ". وقوله تعالى " ولا يرضى لعباده الكفر " أي لا يحبه ولا يأمر به " وإن تشكروا يرضه لكم " أي يحبه لكم ويزدكم من فضله " ولا تزر وازرة وزر أخرى " أي لا تحمل نفس عن نفس شيئا بل كل مطالب بأمر نفسه " ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور " أي فلا تخفى عليه خافية وقوله عز وجل " وإذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا إليه " أي عند الحاجة يتضرع ويستغيث بالله وحده لا شريك له كما قال تعالى " وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الانسان كفورا " ولهذا قال تبارك وتعالى " ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل " أي في حال الرفاهية ينسى ذلك الدعاء والتضرع كما قال جل جلاله " وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه " وقوله تعالى " وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله " أي في حال العافية يشرك بالله ويجعل له أندادا " قل تمتع بكفرك فليلا إنك من أصحاب النار " أي قل لمن هذه حالته وطريقته ومسلكه تمتع بكفرك قليلا وهو تهديد شديد ووعيد أكيد كقوله تعالى " قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار " وقوله تعالى " نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوى الذين يعملون والذين لا يعملون أنما إنما يتذكر أولوا الألباب (9) يقول عز وجل أمن هذه صفته كمن أشرك بالله وجعل له أندادا؟ لا يستوون عند الله كما قال تعالى " ليسوا سواء من أهل الكتاب أما قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون " وقال تبارك وتعالى ههنا " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما " أي في حال سجوده وفي حال قيامه ولهذا استدل بهذه الآية من ذهب إلى أن القنوت هو الخشوع في الصلاة ليس هو القيام وحده كما ذهب إليه آخرون. قال الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: القانت المطيع لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن والسدي وابن زيد آناء الليل جوف الليل وقال الثوري عن منصور بلغنا أن ذلك بين المغرب والعشاء وقال الحسن وقتادة آناء الليل أوله وأوسطه وآخره وقوله تعالى " يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه " أي في حال عبادته خائف راج ولا بد في العبادة من هذا وهذا وأن يكون الخوف في مدة الحياة هو الغالب ولهذا قال تعالى " يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه " فإذا كان عند الاحتضار فليكن الرجاء هو الغالب عليه كما قال الامام عبد بن حميد في مسنده حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في الموت فقال له " كيف تجدك؟ " فقال له أرجو وأخاف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله عز وجل الذي يرجو وأمنه الذي يخافه ".. ورواه
(٥١)