إلى الله عز وجل لدلالة السياق عليه والأظهر أن الضمير عائد على الطعام أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له قاله مجاهد ومقاتل واختاره ابن جرير كقوله تعالى " وآتى المال على حبه " وكقوله تعالى " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ". وروى البيهقي من طريق الأعمش عن نافع قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنبا أول ما جاء العنب فأرسلت صفية يعني امرأته فاشترت عنقودا بدرهم فاتبع الرسول سائل فلما دخل به قال السائل:
السائل فقال ابن عمر: أعطوه إياه فأعطوه إياه فأرسلت بدرهم آخر فاشترت عنقودا فاتبع الرسول السائل فلما دخل قال السائل: السائل فقال ابن عمر: أعطوه إياه فأعطوه إياه فأرسلت صفية إلى السائل فقالت والله إن عدت لا تصيب منه خيرا أبدا ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به. وفي الصحيح " أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر " أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه ولهذا قال تعالى " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما وأما الأسير فقال سعيد بن جبير والحسن والضحاك: الأسير من أهل القبلة وقال ابن عباس كان أسراؤهم يومئذ مشركين ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء وقال عكرمة هم العبيد واختاره ابن جرير لعموم الآية للمسلم والمشرك وهكذا قال سعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاحسان إلى الأرقاء في غير ما حديث حتى أنه كان آخر ما أوصى أن جعل يقول " الصلاة وما ملكت أيمانكم " قال مجاهد هو المحبوس أي يطعمون الطعام لهؤلاء وهم يشتهونه ويحبونه قائلين بلسان الحال " إنما نطعمكم لوجه الله " أي رجاء ثواب الله ورضاه " لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ولا أن تشكرونا عند الناس قال مجاهد وسعيد بن جبير أما والله ما قالوه بألسنتهم ولكن علم الله به من قلوبهم فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغب (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) أي إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه في اليوم العبوس القمطرير. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس عبوسا ضيقا قمطريرا طويلا وقال عكرمة وغيره عنه في قوله " يوما عبوسا قمطريرا " قال يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران وقال مجاهد " عبوسا " العابس الشفتين " قمطريرا " قال يقبض الوجه بالبسور وقال سعيد بن جبير وقتادة تعبس فيه الوجوه من الهول قمطريرا تقليص الجبين وما بين العينين من الهول وقال ابن زيد العبوس الشر والقمطرير الشديد وأوضح العبارات وأجلاها وأحلاها وأعلاها وأولاها قول ابن عباس رضي الله عنه. قال ابن جرير والقمطرير هو الشديد يقال هو يوم قمطرير ويوم قماطر ويوم عصيب وعصبصب وقد اقمطر اليوم يقمطر اقمطرارا وذلك أشد الأيام وأطولها في البلاء والشدة ومنه قول بعضهم:
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا؟ * عليكم إذا ما كان يوم قماطر قال الله تعالى (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا) وهذا من باب التجانس البليغ " فوقاهم الله شر ذلك اليوم " أي آمنهم بما خافوا منه " ولقاهم نضرة " أي في وجوههم " وسرورا " أي في قلوبهم. قاله الحسن البصري وقتادة وأبو العالية والربيع بن أنس وهذه كقوله تعالى " وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة " وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه قال كعب بن مالك في حديثه الطويل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر وقالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه الحديث وقوله تعالى (وجزاهم بما صبروا) أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم جنة وحريرا أي منزلا رحبا وعيشا رغدا ولباسا حسنا وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الداراني قال قرئ على أبي سليمان الداراني سورة " هل أتى على الانسان " فلما بلغ القارئ إلى قوله تعالى " وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا " قال بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا ثم أنشد يقول: