قوله جل جلاله " فطرة الله التي فطر الناس عليها " من رواية جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا " وقال الإمام أحمد حدثنا أبو عامر حدثنا عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من خارج يخرج إلا ببابه رايتان: راية بيد ملك وراية بيد شيطان فإن خرج لما يحب الله اتبعه الملك برايته فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته ".
إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا (4) إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا (5) عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا (6) يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا (7) ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا (9) إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا (10) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه به من السلاسل والأغلال والسعير وهو اللهب والحريق في نار جهنم كما قال تعالى " إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون " ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة قال الحسن برد الكافور في طيب الزنجبيل.
ولهذا قال (عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويروون بها ولهذا ضمن يشرب معنى يروى حتى عداه بالباء ونصب عينا على التمييز قال بعضهم هذا الشراب في طيبه كالكافور وقال بعضهم هو من عين كافور وقال بعضهم يجوز أن يكون منصوبا بيشرب حكى هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير. وقوله تعالى " يفجرونها تفجيرا " أي يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم والتفجير هو الانباع كما قال تعالى " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " وقال " وفجرنا خلالهما نهرا ". وقال مجاهد " يفجرونها تفجيرا " يقودونها حيث شاؤوا وكذا قال عكرمة وقتادة. وقال الثوري يصرفونها حيث شاؤوا وقوله تعالى (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) أي يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر. قال الامام مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن مالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " رواه البخاري من حديث مالك. ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي شره مستطير أي منتشر عام على الناس إلا من رحم الله قال ابن عباس فاشيا وقال قتادة استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملا السماوات والأرض قال ابن جرير: ومنه قولهم استطار الصدع في الزجاجة واستطال ومنه قول الأعشى:
فبانت وقد أسأت في الفؤاد * صدعا على نأيها مستطيرا يعني ممتدا فاشيا وقوله تعالى " ويطعمون الطعام على حبه " قيل على حب الله تعالى وجعلوا الضمير عائدا