ويحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون " وقال العوفي عن ابن عباس " ولو ألقى معاذيره " هي الاعتذار ألم تسمع أنه قال " لا ينفع الظالمين معذرتهم " وقال " وألقوا إلى الله يومئذ السلم ما كنا نعمل من سوء " وقولهم " والله ربنا ما كنا مشركين ".
لا تحرك به لسانك لتعجل به (16) إن علينا جمعه وقرآنه (17) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (18) ثم إن علينا بيانه (19) كلا بل تحبون العاجلة (20) وتذرون الآخرة (21) وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة (23) ووجوه يومئذ باسرة (24) تظن أن يفعل بها فاقرة (25) هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك فإنه كان يبادر إلى أخذه ويسابق الملك في قراءته فأمره الله عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له وتكفل الله له أن يجمعه في صدره وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه وأن يبينه له ويفسره ويوضحه فالحالة الأولى جمعه في صدره والثانية تلاوته والثالثة تفسيره وإيضاح معناه ولهذا قال تعالى " لا تحرك به لسانك لتعجل به " أي بالقرآن كما قال تعالى " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما " ثم قال تعالى (إن علينا جمعه) أي في صدرك " وقرآنه " أي أن تقرأه " فإذا قرأناه " أي إذا تلاه عليك الملك عن الله تعالى " فاتبع قرآنه " أي فاستمع له ثم أقرأه كما أقرأك (ثم إن علينا بيانه) أي بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن عن أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة فكان يحرك شفتيه قال فقال لي ابن عباس أنا أحرك شفتي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه وقال لي سيعد وأنا أحرك شفتي كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه فأنزل الله عز وجل " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه " قال جمعه في صدرك ثم تقرأه " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " أي فاستمع له وأنصت " ثم إن علينا بيانه " فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل قرأه كما أقرأه. وقد رواه البخاري ومسلم من غير وجه عن موسى بن أبي عائشة به ولفظ البخاري فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو يحيى التيمي حدثنا موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي يلقى منه شدة وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره فأنزل الله تعالى " لا تحرك به لسانك لتعجل به " وهكذا قال الشعبي والحسن البصري وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد إن هذه الآية نزلت في ذلك وقد روى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس " لا تحرك به لسانك لتعجل به " قال كان لا يفتر من القراءة مخافة أن ينساه فقال الله تعالى " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه " أن نجمعه لك " وقرآنه " أن نقرئك فلا تنسى وقال ابن عباس وعطية العوفي " ثم إن علينا بيانه " تبيين حلاله وحرامه وكذا قال قتادة. وقوله تعالى (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) أي إنما يحملهم على التكذيب بيوم القيامة ومخالفة ما أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم من الوحي الحق والقرآن العظيم إنهم إنما همتهم إلى الدار الدنيا العاجلة وهم لاهون متشاغلون عن الآخرة. ثم قال تعالى (وجوه يومئذ ناضرة) من النضارة أي حسنة بهية مشرقة مسرورة (إلى ربها ناظرة) أي تراه عيانا كما رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه " إنكم سترون ربكم عيانا " وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها لحديث أبي سعيد وأبي هريرة