مخبرا عن الظالمين وهم المشركون بالله " لما رأوا العذاب " أي يوم القيامة تمنوا الرجعة إلى الدنيا " يقولون هل إلى مرد من سبيل " كما قال جل وعلا " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " قوله عز وجل " وتراهم يعرضون عليها " أي على النار " خاشعين من الذل " أي الذي قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله تعالى " ينظرون من طرف خفي " قال مجاهد يعني ذليل أي ينظرون إليها مسارقة خوفا منها والذي يحذرون منه واقع بهم لا محالة وما هو أعظم مما في نفوسهم أجارنا الله من ذلك " وقال الذين آمنوا " أي يقولون يوم القيامة " إن الخاسرين " أي الخسار الأكبر " الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة " أي ذهب بهم إلى النار فعدموا لذتهم في دار الأبد وخسروا أنفسهم وفرق بينهم وبين أحبابهم وأصحابهم وأهاليهم وقراباتهم فخسروهم " ألا إن الظالمين في عذاب مقيم " أي دائم سرمدي أبدي لا خروج لهم منها ولا محيد لهم عنها وقوله تعالى " وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله " أي ينقذوهم مما هم فيه من العذاب والنكال " ومن يضلل الله فما له من سبيل " أي ليس له خلاص استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله مالكم من ملجأ يومئذ ومالكم من نكير (47) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الانسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الانسان كفور (48) لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة حذر منه وأمر بالاستعداد له فقال " استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله " أي إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون وليس له دافع ولا مانع. وقوله عز وجل " ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير " أي ليس لكم حصن تتحصنون فيه ولا مكان يستركم وتتنكرون فيه فتغيبون عن بصره تبارك وتعالى بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته فلا ملجأ منه إلا إليه " يقول الانسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ". قوله تعالى " فإن أعرضوا " يعني المشركين " فما أرسلناك عليهم حفيظا " أي لست عليهم بمصيطر وقال عز وجل " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " وقال تعالى " فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب " وقال جل وعلا ههنا " إن عليك إلا البلاغ " أي إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم ثم قال تبارك وتعالى " وإنا إذا أذقنا الانسان منا رحمة فرح بها " أي إذا أصابه رخاء ونعمة فرح بذلك " وإن تصبهم " يعني الناس " سيئة " أي جدب ونقمة وبلاء وشدة " فإن الانسان كفور " أي يجحد ما تقدم من النعم ولا يعرف إلا الساعة الراهنة فإن أصابته نعمة أشر وبطر وإن أصابته محنة يئس وقنط كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة ولم يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم " لانكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوما قالت ما رأيت منك خيرا قط " وهذا حال أكثر النساء إلا من هداه الله تعالى وألهمه رشده وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فالمؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم " إن أصابته سراء فشكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لاحد إلا للمؤمن ".
لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهم