عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وأنتم فيها خالدون * وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون * لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون) *.
اعلم أنه تعالى لما قال: * (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) * (الزخرف: 66) ذكر عقيبه بعض ما يتعلق بأحوال القيامة فأولها: * (الأخلاء يومئذ بعضهم عدو إلا المتقين) * والمعنى * (الأخلاء) * في الدنيا * (يومئذ) * يعني في الآخرة * (بعضهم لبعض عدو) * يعني أن الخلة إذا كانت على المعصية والكفر صارت عداوة يوم القيامة * (إلا المتقين) * يعني الموحدين الذين يخالل بعضهم بعضا على الإيمان والتقوى، فإن خلتهم لا تصير عداوة، وللحكماء في تفسير هذه الآية طريق حسن، قالوا إن المحبة أمر لا يحصل إلا عند اعتقاد حصول خير أو دفع ضرر، فمتى حصل هذا الاعتقاد حصلت المحبة لا محالة، ومتى حصل اعتقاد أنه يوجب ضررا حصل البغض والنفرة، إذا عرفت هذا فنقول: تلك الخيرات التي كان اعتقاد حصولها يوجب حصول المحبة، إما أن تكون قابلة للتغير والتبدل، أو لا تكون كذلك، فإن كان الواقع هو القسم الأول، وجب أن تبدل تلك المحبة بالنفرة، لأن تلك المحبة إنما حصلت لاعتقاد حصول الخير والراحة، فإذا زال ذلك الاعتقاد، وحصل عقيبه اعتقاد أن الحاصل هو الضرر والألم، وجب أن تتبدل تلك المحبة بالبغضة، لأن تبدل العلة يوجب تبدل المعلول، أما إذا كانت الخيرات الموجبة للمحبة، خيرات باقية أبدية، غير قابلة للتبدل والتغير، كانت تلك المحبة أيضا محبة باقية آمنة من التغير، إذا عرفت هذا الأصل فنقول الذين حصلت بينهم محبة ومودة في الدنيا، إن كانت تلك المحبة لأجل طلب الدنيا وطيباتها ولذاتها، فهذه المطالب لا تبقى في القيامة، بل يصير طلب الدنيا سببا لحصول الآلام والآفات في يوم القيامة، فلا جرم تنقلب هذه المحبة الدنيوية بغضة ونفرة في القيامة، أما إن كان الموجب لحصول المحبة في الدنيا الاشتراك في محبة الله وفي خدمته وطاعته، فهذا السبب غير قابل للنسخ والتغير، فلا جرم كانت هذه المحبة باقية في القيامة، بل كأنها تصير أقوى وأصفى وأكمل وأفضل مما كانت في الدنيا، فهذا هو التفسير المطابق لقوله تعالى: * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا