لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنآ إلى ربنا لمنقلبون) *.
اعلم أنه قد تقدم ذكر المسرفين وهم المشركون وتقدم أيضا ذكر الأنبياء فقوله * (ولئن سألتهم) * يحتمل أن يرجع إلى الأنبياء، ويحتمل أن يرجع إلى الكفار إلا أن الأقرب رجوعه إلى الكفار، فبين تعال أنهم مقرون بأن خالق السماوات والأرض وما بينهما هو الله العزيز الحكيم، والمقصود أنهم مع كونهم مقرين بهذا المعنى يعبدون معه غيره وينكرون قدرته على البعث، وقد تقدم الإخبار عنهم، ثم إنه تعالى ابتدأ دالا على نفسه بذكر مصنوعاته فقال: * (الذي جعل لكم الأرض مهدا) * ولو كان هذا من جملة كلام الكفار ولوجب أن يقولوا: الذي جعل لنا الأرض مهدا، ولأن قوله في أثناء الكلام * (فأنشرنا به بلدة ميتا) * لا يتعلق إلا بكلام الله ونظيره من كلام الناس يأن يسمع الرجل رجلا يقول الذي بنى هذا المسجد فلان العالم فيقول السامع لهذا الكلام الزاهد الكريم كأن ذلك السامع يقول أنا أعرفه بصفات حميدة فوق ما تعرفه فأزيد في وصفه فيكون النعتان جميعا من رجلين لرجل واحد.
إذا عرفت كيفية النظم في الآية فنقول إنها تدل على أنواع من صفات الله تعالى.
الصفة الأولى: كونه خالقا للسموات والأرض والمتكلمون بينوا أن أول العمل بالله العلم بكونه محدثا للعالم فاعلا له، فلهذا السبب وقع الابتداء بذكر كونه خالقا، وهذا إنما يتم إذا فسرنا الخلق بالإحداث والإبداع.
الصفة الثانية: العزيز وهو الغالب وما لأجله يحصل المكنة من الغلبة هو القدرة وكان العزيز إشارة إلى كمال القدرة.
الصفة الثالثة: العليم وهو إشارة إلى كمال العلم، واعلم أن كمال العلم والقدرة إذا حصل كان الموصوف به قادرا على خلق جميع الممكنات، فلهذا المعنى أثبت تعالى كونه موصوفا بهاتين الصفتين ثم فرع عليه سائر التفاصيل.
الصفة الرابعة: قوله * (الذي جعل لكم الأرض مهدا) * وقد ذكرنا في هذا الكتاب أن كون الأرض مهدا إنما حصل لأجل كونها واقفة ساكنة ولأجل كونها موصوفة بصفات مخصوصة باعتبارها يمكن الانتفاع بها في الزراعة وبناء الأبنية في كونها ساترة لعيوب الأحياء والأموات، ولما كان المهد موضع الراحة للصبي جعل الأرض مهدا لكثرة ما فيها من الراحات.
الصفة الخامسة: قوله * (وجعل لكم فيها سبلا) * والمقصود أن انتفاع الناس إنما يكمل