للذين أنزل إليهم لأنه بلغتهم ولسانهم والثاني: المبين هو الذي أبان طريق الهدى من طريق الضلالة وأبان كل باب عما سواه وجعلها مفصلة ملخصة.
واعلم أن وصفه بكونه مبينا نجاز لأن المبين هو الله تعالى وسمي القرآن بذلك توسعا من حيث إنه حصل البيان عنده.
أما قوله * (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) * ففيه مسائل: المسألة الأولى: القائلون بحدوث القرآن احتجوا بهذه الآية من وجوه الأول: أن الآية تدل على أن القرآن مجعول، والمجعول هو المصنوع المخلوق، فإن قالوا لم لا يجوز أن يكون المراد أنه سماه عربيا؟ قلنا هذا مدفوع من وجهين الأول: أنه لو كان المراد بالجعل هذا لوجب أن من سماه عجميا أن يصير عجميا وإن كان بلغة العرب ومعلوم أنه باطل الثاني: أنه لو صرف الجعل إلى التسمية لزم كون التسمية مجعولة، والتسمية أيضا كلام الله، وذلك يوجب أنه فعل بعض كلامه، وإذا صح ذلك في البعض صح في الكل الثاني: أنه وصفه بكونه قرآنا، وهو إنما سمي قرآنا لأنه جعل بعضه مقرونا بالبعض وما كان كذلك كان مصنوعا معمولا الثالث: أنه وصفه بكونه عربيا، وهو إنما كان عربيا لأن هذه الألفاظ إنما اختصت بمسمياتهم بوضع العرب واصطلاحاتهم، وذلك يدل على كونه معمولا ومجعولا والرابع: أن القسم بغير الله لا يجوز على ما هو معلوم فكان التقدير حم ورب الكتاب المبين، وتأكد هذا أيضا بما روي أنه عليه السلام كان يقول يا رب طه ويس ويا رب القرآن العظيم والجواب: أن هذا الذي ذكرتموه حق، وذلك لأنكم إنما استدللتم بهذه الوجوه على كون هذه الحروف المتوالية والكلمات المتعاقبة محدثة مخلوقة، وذلك معلوم بالضرورة ومن ينازعكم فيه، بل كان كلامكم يرجع حاصله إلى إقامة الدليل على ما عرف ثبوته بالضرورة.
المسألة الثانية: كلمة لعل للتمني والترجي وهو لا يليق بمن كان عالما بعواقب الأمور، فكان المراد منها هاهنا: كي أي أنزلناه قرآنا عربيا لكي تعقلوا معناه، وتحيطوا بفحواه، قالت المعتزلة فصار حاصل الكلام إنا أنزلناه قرآنا عربيا لأجل أن تحيطوا بمعناه، وهذا يفيد أميرين أحدهما: أن أفعال الله تعالى معللة بالأغراض والدواعي والثاني: أنه تعالى إنما أنزل القرآن ليهتدي به الناس، وذلك يدل على أنه تعالى أراد من الكل الهداية والمعرفة، خلاف قول من يقول إنه تعالى أراد من البعض الكفر والإعراض، واعلم أن هذا النوع من استدلالات المعتزلة مشهور، وأجوبتنا عنه مشهورة، فلا فائدة في الإعادة والله أعلم.
المسألة الثالثة: قوله * (لعلكم تعقلون) * يدل على أن القرآن معلوم وليس فيه شيء مبهم مجهول خلافا لمن يقول بعضه معلوم وبعضه مجهول.
ثم قال تعالى: * (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) * وفيه مسائل: