فقوله * (وجعلوا له من عباده جزءا) * معنى جعلوا حكموا وأثبتوا وقالوا به، والمعنى أنهم أثبتوا له جزءا، وذلك الجزء هو عبد من عباده.
واعلم أنه لو قال وجعلوا لعباده منه جزءا، أفاد ذلك أنهم أثبتوا أنه حصل جزء من أجزائه في بعض عباده وذلك هو الولد، فكذا قوله * (وجعلوا له من عباده جزءا) * معناه وأثبتوا له جزءا، وذلك الجزء هو عبد من عباده، والحاصل أنهم أثبتوا لله ولدا، وذكروا في تقرير هذا القول وجوها أخر، فقالوا الجزء هو الأنثى في لغة العرب، واحتجوا في إثبات هذه اللغة ببيتين فالأول قوله: إن أجزأت حرة يوما فلا عجب قد تجزئ الحرة المذكاة أحيانا وقوله: زوجتها من بنات الأوس مجزئة للعوسج اللدن في أبياتها غزل وزعم الزجاج والأزهري وصاحب " الكشاف ": أن هذه اللغة فاسدة، وأن هذه الأبيات مصنوعة والقول الثاني: في تفسير الآية أن المراد من قوله * (وجعلوا له من عباده جزءا) * إثبات الشركاء لله، وذلك لأنهم لما أثبتوا الشركاء لله تعالى فقد زعموا أن كل العباد ليس لله، بل بعضها لله، وبعضها لغير الله، فهم ما جعلوا لله من عباده كلهم، بل جعلوا له منهم بعضا وجزءا منهم، قالوا والذي يدل على أن هذا القول أولى من الأول، أنا إذا حملنا هذه الآية على إنكار الشريك لله، وحملنا الآية التي بعدها إلى إنكار الولد لله، كانت الآية جامعة للرد على جميع المبطلين.
ثم قال تعالى: * (أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين) *.
واعلم أنه تعالى رتب هذه المناظرة على أحسن الوجوه، وذلك لأنه تعالى بين أن إثبات الولد لله محال، وبتقدير أن يثبت الولد فجعله بنتا أيضا محال، أما بيان أن إثبات الولد لله محال، فلأن الولد لا بد وأن يكون جزءا من الوالد، وما كان له جزء كان مركبا، وكل مركب ممكن، وأيضا ما كان كذلك فإنه يقبل الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق، وما كان كذلك فهو عبد محدث، فلا يكون إلها قديما أزليا.
وأما المقام الثاني: وهو أن بتقدير ثبوت الولد فإنه يمتنع كونه بنتا، وذلك أن الابن أفضل من البنت، فلو قلنا إنه اتخذ لنفسه البنات وأعطى البنين لعباده، لزم أن يكون حال العبد أكمل وأفضل من حال الله، وذلك مدفوع في بديهة العقل، يقال أصفيت فلانا بكذا، أي آثرته به إيثارا حصل له على سبيل الصفاء من غير أن يكون له فيه مشارك، وهو كقوله * (أفأصفاكم ربكم بالبنين) * (الإسراء: 40) ثم بين نقصان البنات من وجوه الأول: قوله * (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم) * والمعنى أن الذي بلغ حاله في النقص إلى هذا الحد كيف يجوز للعاقل إثباته لله تعالى! وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى، فهجر البيت الذي فيه المرأة، فقالت: