ثم قال: * (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) * أي يبدأون بالظلم * (ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم) *.
ثم قال تعالى: * (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) * يعني أن عزمه على ترك الانتصار لمن عزم الأمور الجيدة وحذف الراجع لأنه مفهوم كما حذف من قولهم السمن منوان بدرهم ويحكى أن رجلا سب رجلا في مجلس الحسن فكان المسبوب يكظم ويعرقة فيمسح العرق ثم قام وتلا هذه الآية، فقال الحسن عقلها والله وفهمها لما ضيعها الجاهلون.
ثم قال تعالى: * (ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده) * أي فليس له من ناصر يتولاه من بعد خذلانه أي من بعد إضلال الله إياه، وهذا صريح في جواز الإضلال من الله تعالى، وفي أن الهداية ليست في مقدور أحد سوى الله تعالى، قال القاضي المراد من يضلل الله عن الجنة فما له من ولي من بعده ينصره والجواب: أن تتقيد الإضلال بهذه الصورة المعينة خلاف الدليل، وأيضا فالله تعالى ما أضله عن الجنة على قولكم بل هو أضل نفسه عن الجنة.
ثم قال تعالى: * (وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل) * والمراد أنهم يطلبون لرجوع إلى الدنيا لعظم ما يشاهدون من العذاب، ثم ذكر حالهم عند عرض النار عليهم فقال: * (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل) * أي حال كونهم خاشعين حقيرين مهانين بسبب ما لحقهم من الذل، ثم قال: * (ينظرون من طرف خفي) * أي يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفي بمسارقة كما ترى الذي يتيقن أن يقتل فإنه ينظر إلى السيف كأنه لا يقدر على أن يفتح أجفانه عليه ويملأ عينيه منه كما يفعل في نظره إلى الحبوبات، فإن قيل أليس أنه تعالى قال في صفة الكفار إنهم يحشرون عميا فكيف قال ههنا إنهم ينظرون من طرف خفي؟ قلنا لعلهم حال الكفار حكى ما يقوله المؤمنون فيهم فقال: * (وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) * قال صاحب " الكشاف ": * (يوم القيامة) * إما أن يتعلق بخسروا أو يكون قول المؤمنين واقعا في الدنيا، وإما أن يتعلق بقال أي يقولون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة.
ثم قال: * (ألا إن الظالمين في عذاب مقيم) * أي دائم قال القاضي، وهذا يدل على أن الكافر والفاسق يدوم عذابهما والجواب: أن لفظ الظالم المطلق في القرآن مخصوص بالكفر قال تعالى: * (والكافرون هم الظالمون) * (البقرة: 254) والذي يؤكد هذا أنه تعالى قال بعده هذه الآية * (وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من الله) * والمعنى أن الأصنام التي كانوا يعبدونها لأجل أن تشفع لهم عند الله تعالى ما أتوا بتلك الشفاعة ومعلوم أن هذا لا يليق إلا بالكفار ثم قال: * (ومن يضلل الله فما له من سبيل) * وذلك يدل على أن المضل والهادي هو الله تعالى على ما هو قولنا ومذهبنا والله أعلم.